هنيئا له الجنة، فقال: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ فَقَالَ: شِرَاكٌ أو شراكان من نار.
وَقَالَ لِمَنْ كَانَ عَلَى ثَقَلِهِ وَقَدْ مَاتَ:«هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا» ، وَقَالُوا فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِمْ: فُلَانٌ شَهِيدٌ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ:«كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ» ، ثم قال:«يَا ابن الخطاب اذْهَبْ فنادِ فِي النَّاسِ إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون» ثلاثا، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بلالا، فَنَادَى في الناس فيجيئون بغنائمهم، فيخمسها ويقسمها، فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أسمعت بلالا ينادي؟ فقال: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ؟ فَاعْتَذَرَ فَقَالَ: كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ القيامة فلن أقبله منك، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالِّ» ، وَضَرْبِهِ وَحَرَقَهُ الْخَلِيفَتَانِ بعده، فقيل: منسوخ للأحاديث التي ذكرت، ولم يجيء التحريق فيها، وقيل - وهو الصواب -: إنه مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة كقتل شارب الخمر في الثالثة والرابعة.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأسارى]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُسَارَى كَانَ يَمُنُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ، وَيُفَادِي بَعْضَهُمْ بِالْمَالِ، وَبَعْضَهُمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، فعل ذلك كله بحسب المصلحة، واستأذنه الأنصار أن يتركوا لعمه العباس فداءه فقال:«لا تدعوا منه درهما» وردَّ سَبْيَ هَوَازِنَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَاسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَطَيَّبُوا لَهُ، وَعَوَّضَ مَنْ لَمْ يُطَيِّبْ مِنْ ذَلِكَ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتَّ فَرَائِضَ.
وذكر أحمد عن ابن عباس أن بعضهم لم يكن له مَالٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ، فدل هذا على جواز الفداء بالعمل.
والصواب الذي عَلَيْهِ هَدْيُهُ وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ اسْتِرْقَاقُ الْعَرَبِ، وَوَطْءُ إمائهن بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام، وكان يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ فِي السَّبْيِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، ويعطي