للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقبل هداياهم، ويقسمها بين أصحابه، وأهدى له أبو سفيان هدية، فقبل.

وذكر أبو عبيد عنه أنه «رد هدية أبي عامر، وقال: إنا لا نقبل هدية مشرك» . وقال: إنما قَبِلَ هَدِيَّةَ أبي سفيان، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مدة الهدنة بينه وبين مكة، وكذلك المقوقس؛ لأنه أكرم حاطبا وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، وَلَمْ يُؤَيَّسْهُ مِنْ إِسْلَامِهِ، وَلَمْ يقبل هدية مشرك محارب له قط.

قال سحنون: إذا أهدى أمير الروم إلى الإمام فلا بأس، وهي لَهُ خَاصَّةً. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُكَافِئُهُ من بيت المال. وقال أحمد حكمها حكم الغنيمة.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قسمة الأموال]

فَصْلٌ

فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قسمة الأموال وهي ثلاثة: الزكاة، والغنيمة، والفيء.

فأما الزكاة والغنائم، فقد تقدم حكمها، وبيَّنا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَوْعِبُ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ، وأنه ربما وضعها في واحد.

وأما الفيء، فقسمه يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْفَيْءِ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا فَعَتَبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لهم: " ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة وَالْبَعِيرِ وَتَنْطَلِقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُودُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ به خير مما ينقلبون به " وبعث إليه علي من اليمن بذهيبة، فقسمها بين أربعة نفر.

وفي " السنن " أنه وَضَعَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المطلب وترك بني نوفل وعبد شمس وقال: «إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ولم يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، بَيْنَ أَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ، وَلَا كَانَ يَقْسِمُهُ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حظ الأنثيين، بل يَصْرِفُهُ فِيهِمْ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ فَيُزَوِّجُ مِنْهُ عَزَبَهُمْ، وَيَقْضِي مِنْهُ عَنْ غَارِمِهِمْ، وَيُعْطِي مِنْهُ فقيرهم كفايته، والذي يدل عليه هديه أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَصَارِفَ الْخُمُسِ كَمَصَارِفِ الزَّكَاةِ لا يَخْرُجُ بِهَا عَنِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، لَا أَنَّهُ يقسمه بينهم كالميراث، ومن تأمل سيرته لم يشك في ذلك.

واختلف الْفُقَهَاءُ فِي الْفَيْءِ هَلْ كَانَ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يُشَاءُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ، وَالَّذِي تدل عليه

<<  <   >  >>