للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو العاص مِنَ الْخُرُوجِ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر معهم بعيال أبي بكر وفيهم عائشة، فَنَزَلُوا فِي بَيْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ.

[فَصْلٌ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ]

فَصْلٌ

فِي بِنَاءِ المسجد قال الزهري: بركت ناقته - صلى الله عليه وسلم - عند مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي فِيهِ رِجَالٌ من المسلمين، وكان مربدا ليتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فساومهما فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالا: بل نهبه لك، فأبى حتى ابتاعه مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَكَانَ جِدَارًا لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ وَقِبْلَتُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيُجَمِّعُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ فيه شجر غرقد وَنَخْلٌ، وَقُبُورٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقبور فنبشت، وبالنخل والشجر فقطع، وَصُفَّتْ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلَ طُولَهُ مِمَّا يلي القبلة مائة ذراع إلى مؤخره، وفي الجانبين مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ، وَجَعَلَ أَسَاسَهُ قَرِيبًا من ثلاثة أذرع، ثم بنوه باللبن، ورسول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَعَهُمْ، وينقل اللبن والحجارة بنفسه وهو يقول:

اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

وَكَانَ يَقُولُ:

هَذَا الْحِمَالُ لَا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهره

وجعلوا يرتجزون وهم ينقلون اللبن، وجعل بعضهم يقول فِي رَجَزِهِ:

لَئِنْ قَعَدْنَا وَالرَّسُولُ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلَّلُ

وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ بَابًا فِي مُؤَخَّرِهِ، وَبَابًا يُقَالُ لَهُ: بَابُ الرَّحْمَةِ، وَالْبَابُ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل عمده الجذوع وسقفه الجريد، وَقِيلَ لَهُ: أَلَا تُسَقِّفُهُ؟ فَقَالَ: «لَا عَرِيشٌ كعريش موسى» ، وبنى بيوتا إلى جانبه بيوت أزواجه باللبن، وسقفها بالجذوع والجريد، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْبِنَاءِ بَنَى بعائشة فِي البيت الذي بناه لها شرقي المسجد، وجعل لسودة بيتا آخر.

ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانوا تسعين رجلا، من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار على المواساة، ويتوارثون بعد الموت إلى وقعة بدر، فلما نزلت

<<  <   >  >>