فَهَذَا دَوَاءُ الدَّاءِ مِنْ شَرِّ مَا يُرَى ... وَذَاكَ دَوَاءُ الدَّاءِ مِنْ شَرِّ مَحْجُوبِ
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يقوله عند الغضب]
فصل «وأمر صلى الله عليه وسلم من اشتد غضبه أن يطفئ جَمْرَةَ الْغَضَبِ بِالْوُضُوءِ وَالْقُعُودِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَالِاضْطِجَاعِ إِنْ كَانَ قَاعِدًا، وَالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ مِنَ الشيطان» . وَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ جَمْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ أَمَرَ أَنْ يُطْفِئَهُمَا بما ذكر، كقوله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٤٤] (١) الآية، يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئوا به جَمْرَتَهَا، وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وَأَمَرَ تَعَالَى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغه. وَلَمَّا كَانَتِ الْمَعَاصِي كُلُّهَا تَتَوَلَّدُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ، وَكَانَ نِهَايَةُ قُوَّةِ الْغَضَبِ الْقَتْلَ، وَنِهَايَةُ قوة الشهوة الزنا، قرن بينهما في سورة " الأنعام " و " الإسراء " و " الفرقان ". وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ. وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الحمد لله على كل حال» . وكان يدعو لمن تقرب إليه بما يحب، فَلَمَّا وَضَعَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَضُوءَهُ قَالَ: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» . ودعا لأبي قتادة لما دعمه بالليل لما مال عن راحلته: «حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ» . وَقَالَ: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء» . وقال للذي أقرضه لما وفاه: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جزاء السلف الحمد والأداء» . وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُهْدِيَتْ له هدية كافأ بأكثر منها، وإن لم يردها اعتذر إلى مهديها، كقوله للصعب: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» . «وأمر أمته إذا سمعوا نهيق الحمار أن يستعيذوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا سَمِعُوا صِيَاحَ الديك أن يسألوا الله من فضله» . «ويروى أنه أمرهم بالتكبير عند الحريق» ، فإنه يطفئه، وكره لأهل المجلس أن يخلو مَجْلِسَهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مضجعا لا يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ ترة» . والترة: الحسرة. وقال: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحَانَكَ
(١) سورة البقرة، الآية: ٤٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute