للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر نعمه عليهم بإرسال رسوله، وإنزال كتابه، يزكيهم به، وَيُعَلِّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يعلمون.

ثم أمرهم بذكره وشكره إذ بهما يستوجبون لهم محبته لَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَهُوَ الصَّبْرُ وَالصَّلَاةُ، وأخبر أنه مع الصابرين، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الْقِبْلَةِ بِأَنْ شَرَعَ لَهُمُ الْأَذَانَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَزَادَهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بعد أن كانت ثنائية، وكل هذا بعد مقدمه المدينة.

[فصل في أحوال رسول الله والمسلمين عندما استقر بالمدينة]

فَصْلٌ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وأيده الله بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم بعد العداوة، فَمَنَعَتْهُ أَنْصَارُ اللَّهِ، وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَسْوَدِ والأحمر، وبذلوا أنفسهم دُونَهُ، وَقَدَّمُوا مَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَزْوَاجِ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَشَمَّرُوا لَهُمْ عن ساق العداوة، وصاحوا بهم من كل جانب، والله تعالى يَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ حَتَّى قَوِيَتِ الشَّوْكَةُ، وَاشْتَدَّ الْجَنَاحُ، فَأُذِنَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْقِتَالِ، وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩] (١) وقيل: إن هذا بمكة، لأن السورة مَكِّيَّةٌ، وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ لم يأذن في القتال بمكة.

الثاني: أن السياق يدل على أن الإذن بعد إخراجهم من ديارهم بغير حق.

. الثالث: أن قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الْحَجِّ: ١٩] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ.

الرابع: أنه خاطبهم فيها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، والخطاب بذلك كله مدني.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالْجِهَادِ الَّذِي يَعُمُّ اليد وغيره، ولا ريب أن الأمر المطلق بالجهاد إنما كان بعد الهجرة.

السادس: أن الحاكم روى في " مستدركه " عن ابن عباس بإسناده على شرطهما، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ، قَالَ أبو بكر: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَيَهْلِكُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: ٣٩] الآية


(١) سورة الحج، الآية: ٣٩.

<<  <   >  >>