في حديث الثلاثة الذين خُلِّفُوا (١) قال بعض الشارحين: أول أسمائهم مكة، وآخر أسمائهم عكة.
روينا في " الصحيحين " واللفظ للبخاري رحمه الله تعالى عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: «لم أتخلف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش، حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري حين تخلفت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة.
وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غزوة إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا، وعدوا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد بذلك الديوان -. قال كعب رضي الله عنه: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى ما لم ينزل فيه وحي الله تعالى، وغزا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر، وتجهز رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمُونَ معه، فطفقت أعدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجِدّ.
فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاديا، والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، ولم أقض شيئا، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل
(١) وهم كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع.