للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَعْرِفُ هَذَا حَقَّ مَعْرِفَتِهِ إِلَّا مَنْ عرف الله وحقوقه عَلَيْهِ وَعَرَفَ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ، وَعَرَفَ نَفْسَهُ وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالَهَا، وَأَنَّ الَّذِي قَامَ بِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَقِّ رَبِّهِ عَلَيْهِ كَقَطْرَةٍ فِي بَحْرٍ هَذَا إِذَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يسع عباده غير عفوه ومغفرته، وقرر توبته عليهم مرتين فتاب عليهم أولا بالتوفيق لها، وثانيا بقبولها، فالخيرات كلها منه وبه وله.

[فصل في حجة أبي بكر رضي الله عنه]

فصل

في حجة أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ مَقْدِمِهِ من تبوك، خرج بثلاثمائة رجل من المسلمين، وَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِشْرِينَ بَدَنَةً قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا بِيَدِهِ عَلَيْهَا ناحية ابن جندب الأسلمي، وَسَاقَ أبو بكر خَمْسَ بَدَنَاتٍ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَنَزَلَتْ (بَرَاءَةٌ) فِي نقضِ ما كان بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، فخرج علي عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلحق أبا بكر، فلما رآه قال: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأُ بَرَاءَةٌ عَلَى النَّاسِ، وَأَنْبِذُ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَأَقَامَ أبو بكر لِلنَّاسِ حجتهم حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ عِنْدَ الجمرة بالذي أمره رسول الله.

أخرج الحميدي في " مسنده " من طريق زيد بن نقيع قَالَ: سَأَلْنَا عليا: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ولا يجتمع مسلم وكافر في البيت الْحَرَامِ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فعهده إلى مدته.

قال ابن إسحاق: ولما فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف فبايعته، ضربت إليه وفود العرب آباط الإبل من كل وجه، فذكر وفد بني تميم، ووفد طيء، ووفد بني عامر، ووفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد كندة، ووفد الأشعريين، ووفد الأزد، ووفد أهل نجران، ووفد همدان، ووفد نصارى نجران وغيرهم، ثم ذكر هديه في العلاج بالأدوية الروحانية المفردة والمركب منها، ومن الأدوية الطبيعية، فقال: روى مسلم عن ابن عباس

<<  <   >  >>