للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» رَوَاهُ أَهْلُ " السُّنَنِ " وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ السنة الماضية والباقية ذكره مسلم ولم يكن من هديه صيام الدَّهْرِ، بَلْ قَدْ قَالَ: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لا صام ولا أفطر.

» «وكان يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَإِنْ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ» وَكَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ، ثُمَّ يُفْطِرُ.

وأما حديث عائشة أنه قال لها ولحفصة اقضيا يوما مكانه فهو حديث معلول، وكان إذا نزل على قوم وهو صائم أتم صيامه، كما فعل لما دخل على أم سليم ولكن أم سليم عنده بمنزلة أهل بيته.

وفي الصحيح عنه أنه قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فليقل: إني صائم وكان من هديه كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم» .

[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ]

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ لَمَّا كَانَ صَلَاحُ القلب، واستقامته في طريق ومسيره إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَوَقِّفًا عَلَى جَمْعِيِّتِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَمِّ شَعَثِهِ بِإِقْبَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ شَعَثَ الْقَلْبِ لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ على الله، وكانت فضول الشراب والطعام، وفضول مخالطة الأنام، وفضول المنام، وفضول الكلام مِمَّا يَزِيدُهُ شَعَثًا، وَيُشَتِّتُهُ فِي كُلِّ وَادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، ويضعفه، أو يعوقه ويوقفه، اقتضت حكمة الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الصَّوْمِ مَا يُذْهِبُ فُضُولَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَيَسْتَفْرِغُ مِنَ الْقَلْبِ أَخْلَاطَ الشَّهَوَاتِ الْمُعَوِّقَةِ لَهُ عَنْ سيره إلى الله، وَشَرْعِهِ بِقَدْرِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بَهِ الْعَبْدُ في دنياه وأخراه، ولا يضره، وَشَرَعَ لَهُمُ الِاعْتِكَافَ الَّذِي مَقْصُودُهُ وَرُوحُهُ عُكُوفُ القلب على الله، والانقطاع عن الخلق، والاشتغال به وحده، فَيَصِيرُ أُنْسُهُ بِاللَّهِ بَدَلًا عَنْ أُنْسِهِ بِالْخَلْقِ، فَيَعُدُّهُ بِذَلِكَ لِأُنْسِهِ بِهِ يَوْمَ الْوَحْشَةِ فِي القبر.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَقْصُودُ إِنَّمَا يَتِمُّ مَعَ الصَّوْمِ، شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الصَّوْمِ وهو العشر الأخير من رمضان، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاعْتِكَافَ إِلَّا مَعَ الصَّوْمِ، وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلا مع الصوم.

وَأَمَّا الْكَلَامُ، فَإِنَّهُ شُرِعَ

<<  <   >  >>