للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوْلِهِ: «لَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ» إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا يختص بالرسل مطلقا، أما رده لمن جاء إليه منهم مسلما، فهذا إنما يكون مع الشرط. وأما الرسل فلهم حكم آخر.

ومن هَدْيِهِ أَنَّ أَعْدَاءَهُ إِذَا عَاهَدُوا وَاحِدًا مِنْ أصحابه على عهد لا يضر بالمسلمين بغير رضاه أمضاه، كَمَا عَاهَدُوا حذيفة وَأَبَاهُ الحسيل أَنْ لَا يُقَاتِلَاهُمْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمْضَى لهم ذلك، وقال: «انصرفوا نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» . وصالح قريشا عشر سنين على أن من جاءه مسلما رده، ومن جاءهم من عنده لا يردونه، واللفظ عام فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي النساء، وأمر بامتحانهن، فإن علموا أنها مؤمنة لم ترد، ويرد مهرها.

وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَى مَنِ ارْتَدَّتِ امْرَأَتُهُ إِلَيْهِمْ مَهْرَهَا إِذَا عَاقَبُوا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ رَدُّ مَهْرِ الْمُهَاجِرَةِ فَيَرُدُّونَهُ إِلَى مَنِ ارْتَدَّتِ امْرَأَتُهُ وَلَا يَرُدُّونَهَا إِلَى زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ، فَهَذَا هُوَ الْعِقَابُ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَذَابِ فِي شيء.

ففيه أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوَّمٌ، وأنه بالمسمى لا بمهر المثل، وأن أنكحة الكفار صحيحة، وأنه لا يجوز رد المسلمة المهاجرة، ولو شُرِط، وَأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا نِكَاحُ الْكَافِرِ، وأن المسلم له أن يتزوج المهاجرة إذا اعتدت، وآتاها مهرها، ففيه أبين دلالة على خروج البضع من ملك الزوج، وانفساخ النكاح بالهجرة، وفيه تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، كَمَا حُرِّمَ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرِ وَهَذِهِ أَحْكَامٌ اسْتُفِيدَتْ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَبَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مختلف فيه، وليس لمن ادعى نسخها حجة، فإن الشرط مختص بالرجال، ولم يدخلن، فنهى عن ردهن.

وأمر برد المهر، وأن يرد منه على من ارتدت امرأته إليهم الْمَهْرَ الَّذِي أَعْطَاهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمَهُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ ما ينافيه بعده، ولما صالحهم على رد الرجال كان - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعهم أَنْ يَأْخُذُوا مَنْ أَتَى إِلَيْهِ مِنْهُمْ، وَلَا يُكْرِهُهُ عَلَى الْعَوْدِ، وَلَا يَأْمُرُهُ بِهِ، وَكَانَ إِذَا قَتَلَ مِنْهُمْ، أَوْ أَخَذَ مَالًا وَقَدْ فَصَلَ عَنْ يَدِهِ، وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَهُمْ، لِأَنَّهُ ليس تحت قهره وَلَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْتَضِ عَقْدُ الصُّلْحِ الْأَمَانَ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إِلَّا عَمَّنْ هُوَ تحت قهره، كما ضمن لبني جذيمة ما أتلفه خالد، وأنكره وتبرأ منه.

ولما كان خالد متأولا

<<  <   >  >>