للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤمر بالصبر، ثم أذن له في الهجرة، ثم أذن لَهُ فِي الْقِتَالِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ من قاتله، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.

ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأمر بالجهاد ثلاثة: أهل هدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، فأمره أن يفي لأهل الهدنة ما استقاموا، فإن خاف نبذ إليهم، وأمره أن يقاتل من نقض عهده، ونزلت (براءة) ببيان الأقسام الثلاثة، فأمره بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين، فجاهد الكفار بالسيف، والمنافقين بالحجة، وأمره بالبراءة من عهود الكفار، وجعلهم ثلاثة أقسام: قسم أمره الله بقتالهم وهم الناقضون، وقسم لهم عهد موقت لم ينقضوه، فأمره بإتمامه إلى مدته، وقسم لهم عهد مطلق أو لا عهد لهم، ولم يحاربوه، فأمره أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْسَلَخَتْ قَاتَلَهُمْ وهي المدة الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التَّوْبَةِ: ٢] (١) وَهِيَ الْحُرُمُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] (٢) وأولها: العاشر من ذي الحجة يوم الأذان، وآخرها العاشر من ربيع الآخر، وليست الأربعة المذكورة في قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التَّوْبَةِ: ٣٦] فَإِنَّ تِلْكَ وَاحِدٌ فَرْدٌ، وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ: رَجَبٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَلَمْ يسير المشركين فيها، فإنه لا يمكن لأنها غير متوالية، وقد أمر بعد انسلاخ الأربعة بقتالهم، فقاتل الناقض، وَأَجَّلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، أَوْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ للموفي عهده إلى مدته، فأسلموا كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وضرب على أهل الذمة الجزية، فاستقر أمرهم معه ثلاثة أقسام: محاربين، وأهل عهد، وأهل ذمة، ثم صار أهل العهد إلى الإسلام، فصاروا قسمين: محاربين، وأهل ذمة، فصار أهل الأرض ثلاثة أقسام: مسلم، ومسالم، وخائف محارب.

وأما سيرته في المنافقين، فأمره أن يقبل عَلَانِيَتَهُمْ، وَيَكِلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَنْ يُجَاهِدَهُمْ بالحجة، ويعرض عنهم، ويغلظ عليهم، ويبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم، ونهى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَى قُبُورِهِمْ، وأخبره أنه استغفر لهم أو لم يستغفر لهم، فلن يغفر الله لهم.


(١) سورة التوبة، الآية: ٢.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٥.

<<  <   >  >>