وَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قِلَّةَ حِزْبِ اللَّهِ، وَكَثْرَةَ أَعْدَائِهِ، ظَنُّوا أن الغلبة بالكثرة، فقالوا:{غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}[الْأَنْفَالِ: ٤٩] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَّصْرَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لا بالكثرة ولا بالعدد، وأنه عزيز لا يغلب حكيم ينصر المستحق وإن كان ضعيفا.
وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شأن بدر والأسرى في شوال، ثم نهض صلوات الله عليه بنفسه بَعْدَ فَرَاغِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ إِلَى غَزْوِ بَنِي سليم، فَبَلَغَ مَاءً يُقَالُ لَهُ: الكُدر، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثلاثا، ثم انصرف.
ولما رجع فل المشركين إلى مكة نذر أبو سفيان ألا يَمَسَّ رَأْسَهُ مَاءٌ حَتَّى يَغْزُوَ رَسُولَ اللَّهِ، فخرج في مائتي راكب حتى بلغ طرف المدينة، وبات ليلة عند سلام بن مشكم، فسقاه الخمر، وبطن له خَبَرِ النَّاسِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَطَعَ أَصْوَارًا مِنَ النَّخْلِ، وَقَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طلبه ففاته، وطرح الكفار سويقا كثيرا يَتَخَفَّفُونَ بِهِ، فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فسُمِّيت غَزْوَةَ السَّوِيقِ.
ثم غزا نجدا يريد غطفان، فأقام هناك صفرا كله من السنة الثانية، ثم انصرف ولم يلق حربا، فأقام في المدينة ربيع الأول، ثم خرج يريد قريشا، فبلغ نجران، معدنا بالحجاز، فلم يلق حربا، فأقام هناك ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم انصرف.
ثم غزا بني قينقاع، ثم قتل كعب بن الأشرف، وأذن فِي قَتْلِ مَنْ وُجد مِنَ الْيَهُودِ لِنَقْضِهِمْ العهد، ومحاربتهم الله ورسوله.
ولما قتل الله أشراف قريش ببدر ورأس فيهم أبو سفيان، جمّع الجموع وأقبل بهم إلى المدينة، فنزل قريبا من أُحد، وكانت وقعة أُحد المشهورة، وَاسْتَعْرَضَ الشَّبَابَ يَوْمَئِذٍ، فَرَدَّ مَنِ اسْتَصْغَرَهُ عَنِ القتال، منهم ابن عمر، وأسامة، وزيد بن ثابت، وعرابة بن أوس، وأجاز من رآه مطيقا، مِنْهُمْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَلَهُمَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقِيلَ: أَجَازَ مَنْ أَجَازَ لِبُلُوغِهِ بِالسِّنِّ