أراد النسك إلا بإحرام، وما عدا ذلك فَلَا وَاجِبَ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وفيه البيان الصريح أن مكة فتحت عنوة، وقتل سابه صلى الله عليه وسلم، وقوله:«إن الله حرم مكة، ولم يحرمها الناس» ، وهذا التحريم قدري شرعي سبق به قدره يوم خلق الْعَالَمَ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَلَى لِسَانِ خَلِيلِهِ إبراهيم، قوله:«لا يُسفك بها دم» هذا التحريم لسفك الدم المختص بها هو الَّذِي يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا، وَيَحْرُمُ فِيهَا لِكَوْنِهَا حرما كتحريم عضد الشجر، وقوله:«ولا يعضد بها شجر» ، وفي لفظ:«لا يعضد شوكها» ، وهو ظَاهِرٌ جِدًّا فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ، لكن جوزوا قطع اليابس لأنه بمنزلة الميتة، وفي لفظ:«ولا يخبط شوكها» صريح في تحريم قطع الورق.
وقوله:«لا يختلى خلاها» لا خلاف أن المراد ما نبت بنفسه وأن الخلا: الحشيش الرطب، والاستثناء في الإذخر دليل على العموم، ولا تدخل الكمأة فيه، وما غيب في الأرض، لأنه كالثمر.
وقوله:«لا يلتقط ساقطتها إلا لمن عرفها» ، وفي لفظ:«لا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُقَطَةَ الْحَرَمِ لَا تُمْلَكُ بِحَالٍ، وَأَنَّهَا لا تلتقط إلا للتعريف، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وقال في الرواية الأخرى، والشافعي في قول: لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِحِفْظِهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنِ الْتَقَطَهَا عَرَّفَهَا أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ صاحبها، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالْمُنْشِدُ: الْمُعَرِّفُ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:" إِصَاخَةُ النَّاشِدِ للمنشد "، وفي القصة أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصور، ففيه دليل كراهة الصلاة في المكان الذي فيه الصور، وهو أحق بها من الحمام، لأنه إما لكونه مظنة النجاسة وإما بيت الشيطان، وأما الصور فمظنة الشرك، وغالب شرك الأمم من جهة الصور والقبور.
وفي القصة جواز أمان المرأة لِلرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ كَمَا أَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أمان أم هانئ، وقتل المرتد تغلظت ردته من غير استتابة لقصة ابن أبي سرح.