وعلى إقامة عبودية الحي فيما يعامل به الميت، فكان من هديه عبودية الرب تعالى على أكمل الأحوال، وتجهيز الميت إلى الله تعالى على أحسن الأحوال، ووقوفه وأصحابه صفوفا يحمدون الله، ويستغفرون له، ثم يمشي بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى أَنْ يُودِعُوهُ حُفْرَتَهُ ثُمَّ يقوم هو وأصحابه على قبره سائلين له الثبات، ثم يتعاهده بالزيارة إلى قبره، والسلام عليه، والدعاء له.
فأول ذلك تعاهده في موضعه، وَتَذْكِيرُهُ الْآخِرَةَ، وَأَمْرُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَالتَّوْبَةِ، وَأَمْرُ مَنْ حَضَرَهُ بِتَلْقِينِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، لتكون آخر كلامه، ثم نهى عَنْ عَادَةِ الْأُمَمِ الَّتِي لَا تُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ من لطم الخدود، وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ.
وَسَنَّ الخشوع للموت، وَالْبُكَاءَ الَّذِي لَا صَوْتَ مَعَهُ، وَحُزْنَ الْقَلْبِ، وكان يفعله وَيَقُولُ:«تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي الرَّبَّ» وَسَنَّ لِأُمَّتِهِ الْحَمْدَ والاسترجاع والرضا عن الله.
وكان من هديه الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِلَى اللَّهِ، وَتَطْهِيرُهُ وَتَنْظِيفُهُ وتطييبه، وتكفينه في ثياب البياض، ثُمَّ يُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ بَعْدَ أن كان يدعي له عِنْدَ احْتِضَارِهِ، فَيُقِيمُ عِنْدَهُ حَتَّى يَقْضِيَ، ثُمَّ يحضر تجهيزه، ويصلي عليه، ويشيعه إلى قبره، ثم رأى أصحابه أن ذلك يشق عليه، فكانوا يجهزون ميتهم، ثم يحملونه إليه، فيصلي عليه خارج المسجد، وربما كان يصلي أحيانا عليه فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بيضاء وأخيه فيه.
وكان من هديه تغطية وجه الميت إذا مات وبدنه، وتغميض عينيه وَكَانَ رُبَّمَا يُقَبِّلُ الْمَيِّتَ، كَمَا قَبَّلَ عُثْمَانَ بن مظعون وبكى.