مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أنا مصعدة وهو منهبط منها» . ففيه أنهما تلاقيا، وفي الأول أنه انتظرها في منزله، فإن كان حديث الأسود محفوظا، فصوابه: لقيني وَأَنَا مُصْعِدَةٌ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ إِلَيْهَا. فإنها قضت عمرتها، ثم أصعدت لميعاده، فوافته وقد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع، وله وجه غير هذا. واختلف فِي التَّحْصِيبِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مَنْزِلُ اتفاق؟ على قولين.
فصل وَيَرَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ دُخُولَ الْبَيْتِ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ؛ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ سُنَّتُهُ أَنَّهُ لم يدخله في حجة ولا في عمرة، وإنما دخله عام الفتح، وكذلك الوقوف في الملتزم الذي روي عنه أنه فعله يوم الفتح، وأما ما رواه أبو داود مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، أنه وضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ-فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقْتِ الْوَدَاعِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ، وَلَكِنْ قال مجاهد وغيره: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ طَوَافِ الوداع. وكان ابن عباس يلتزم ما بين الركن والباب. وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أم سلمة طافت بالبيت وهي شاكية، وأرادت الخروج، فقال لها:«إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ والناس يصلون» . ففعلته، ولم تصل حتى خرجت، وهذا محال أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا رَيْبٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ بمكة، وسمعته أم سلمة يقرأ بـ " الطور "، ثم ارتحل رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، «فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، لَقِيَ رَكْبًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، قَالُوا: فَمَنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرفعت إليه امرأة صبيا لها من محفة، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» . فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، بَاتَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَى الْمَدِينَةَ، كَبَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» . ثُمَّ