وينتثر باليسرى، وكان يمسح رأسه كله تارة، وتارة يقبل بيديه ويدبر بهما. ولم يصح أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ الْبَتَّةَ، ولكن كان إذا مسح على ناصيته كمل على العمامة، ولم يتوضأ إِلَّا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ أخل بهما مرة واحدة. وقد صرح الإمام ابن القيم في أكثر من موضع من كتبه: بوجوب المضمضة والاستنشاق. وكذلك الوضوء مرتبا متواليا، ولم يخل به مرة واحدة، وَكَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُونَا فِي جوربين أو خفين، ويمسح أذنيه مع رأسه ظاهرهما وباطنهما.
وكل حديث في أذكار الوضوء التي تقال عليه كذب، غير التسمية في أوله، وقول:«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المتطهرين» في آخره.
وحديث آخر في سنن النسائي «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» وَلَمْ يَكُنْ يقول في أوله: نويت. ولا أحد من الصحابة ألبتة. وَلَمْ يَتَجَاوَزِ الثَّلَاثَ قَطُّ.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عنه أنه تجاوز المرفقين والكعبين. ولم يكن يعتاد تنشيف أعضائه.
وكان يخلل لحيته أحيانا ولم يواظب على ذلك، وكذلك تخليل الأصابع ولم يكن يحافظ عليه، وأما تحريك الخاتم فروي فيه حديث ضعيف.
وصح عنه أنه مسح في الحضر والسفر، وَوَقَّتَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن، وكان يمسح ظاهر الخفين ومسح على الجوربين (١) وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا وَمَعَ النَّاصِيَةِ ولكن يحتمل أن يكون خاصا بحال الحاجة، ويحتمل العموم وهو أظهر. وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ ضِدَّ حَالِهِ الَّتِي عَلَيْهَا قدماه، بل إن كانتا في الخفين مسح، وإن كانتا مكشوفتين غسل.
وكان يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ويتيمم بِالْأَرْضِ الَّتِي يُصَلِّي عَلَيْهَا تُرَابًا كَانَتْ أَوْ سَبْخَةً أَوْ رَمْلًا.
(١) ويظهر لمن تتبع الأدلة أن الكثير من الشروط التي يذكرها البعض في صفة الجوربين لا مستند لها، وإنما المسح يصح على كل جورب. وللعلامة الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله ـ رسالة قيمة في الموضوع. طبعها المكتب الإسلامي مع ملحق قيم للمحدث الشيخ ناصر الدين الألباني.