للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البخاري تعليقا، ثم ذكر ما يدل على اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو حديث دعاء أهل الصفة، وفيه: فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا. وقالت طائفة: إن الحديثين على حالين، فإن جاء المدعو على الفور، لم يحتج للاستئذان، وإن تراخى احتاج إليه. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ عِنْدَ الدَّاعِي مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَدْعُوِّ لَمْ يحتج للاستئذان وإلا استأذن.

وكان إِذَا دَخَلَ إِلَى مَكَانٍ يُحِبُّ الِانْفِرَادَ فِيهِ، أمر من يمسك الباب، فلا يدخل عليه أحد إلا بإذن. وَأَمَّا الِاسْتِئْذَانُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمَمَالِيكَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَوَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَعِنْدَ النَّوْمِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ، وَيَقُولُ: تَرَكَ النَّاسُ العمل به. وقالت طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ تَأْتِ بِحُجَّةٍ، وَقَالَتْ طائفة: أمر ندب، وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عن ظاهره، وقالت طائفة: المأمور به النساء خاصة، وهذا ظاهر البطلان، وقالت طائفة عكس هذا، نظروا إلى لفظ " الذين "، وَلَكِنْ سِيَاقُ الْآيَةِ يَأْبَاهُ، فَتَأَمَّلْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كان الأمر لعلة وزال بزوالها وهي الحاجة، فَرَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " أَنَّ نَفَرًا قالوا لابن عَبَّاسٍ: كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ؟ فقال ابن عباس: إن الله حكيم رءوف بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السِّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ، أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ الله تعالى بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بعد. وقد أنكر بعضهم ثبوته، وَطَعَنَ فِي عكرمة، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَطَعَنَ في عمرو بن أبي عمرو، وقد احتج به صاحبا الصحيح، فإنكاره تعنت لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لا دافع لها. والصحيح أن الحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية، فإن كَانَ هُنَاكَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فَتْحُهُ دَلِيلٌ عَلَى الدُّخُولِ، أَوْ رَفْعِ سِتْرٍ، أَوْ تَرَدُّدِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَنَحْوِهِ - أَغْنَى ذَلِكَ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ما يقوم مقامه، فلا بد منه، فإذا وجدت العلة، وجد الحكم، وإذا انتفت انتفى.

<<  <   >  >>