للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتنزله في الكلام على وفق هذه الأحوال بحساب دقيق، وهو من خفي الصنعة التي لا تستقيم على وجهها إلا في حر الكلام.

وهذا ما رأيناه في الأمر الداعي إلى بناء الفعل على الاسم في هذه الآيات، والله أعلم.

قال عبد القاهر، بعد ما ذكر أن هذا الأسلوب يكثر في الوعد، والضمان مثل: أنا أكفيك، وأنا أقوم بهذا الأمر؛ "لأن من شأن من تعده، وتضمن له أن يتعرضه شك، فهو محتاج إلى التوكيد"، وبعد ما ذكر أنه يكثر في المدح قال: "ويزيدك بيانا -بدلالة التقديم على التوكيد- أنه إذا كان الفعل مما لا يشك فيه، ولا ينكر بحال لم يكد يجيء على هذا الوجه، ولكن يؤتى به غير مبني على اسم، فإذا أخبرت بالخروج مثلا عن رجل من عادته أن يخرج في كل غداة، قلت: قد خرج ولم تحتج إلى أن تقول: هو قد خرج، ذلك؛ لأنه ليس بشيء يشك فيه السامع، فتحتاج أن تحققه، وإلى أن تقدم فيه ذكر المحدث عنه".

قلنا في صدر الحديث في هذا الموضوع: أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي صالح لأن يفيد أمرين: التقوية وقد بيناها، والأمر الثاني هو الاختصاص أي أن الفعل خاص بالمسند إليه لا يتعداه إلى غيره، وذلك يكون إذا ساعد السياق على ذلك، تقول: أنا أعرف هذه المسألة في سياق، تعني فيه إنك وحدك الذي تعرفها وتقول: محمد يعطي من خير ماله؛ إذا كنت تريد أنه لا يفعل ذلك سواه، أو أنه يفعله بخلاف شخص معين وهكذا.

وقد قدمناه أن قوله: "ونحن كفيناك الأمور"، يفيد التقديم فيه الاختصاص؛ لأنه أراد أن يقول له: لم يكفكم الأمور سوانا، وانظر قول المعذل: هم خلطوني بالنفوس، تجد أن تقديم المسند إليه يعني أنه لم يفعل ذلك سواهم، وذلك واضح فيه، وفي البيت الثاني هم يفرشون اللبد لا يصح فيه إرادة هذا المعنى كما سبق، فالمسألة ترجع إلى الإدراك الدقيق للمعنى، والإدراك الدقيق لملاءمة

<<  <   >  >>