للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السياق، ومما هو بين فيه معنى الاختصاص قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْض} ١، أي لم ينشئكم منها إلا هو سبحانه، وقوله: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٢، وقوله: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} ٣، إلى أمثال هذا وهو كثير جدا في القرآن وكلام الناس، ثم إن الصور التي تفيد الاختصاص لا تخلوا دلالتها من التوكيد والتقرير، وإن كانت الدلالة الواضحة هي الاختصاص؛ لأن الحقيقة هي أن الاختصاص متضمن للتوكيد، خذ قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} ٤، تجد أن التقديم يفيد أنه لم ينزله إلا الله سبحانه، وهذا هو معنى الاختصاص، وفيه أنه لا محالة أنزله الله.

ثم إن التقديم فيه هذه الآية أفاد شيئا آخر، وهو تفخيم نزول الكتاب كما قال المفسرون من حيث بدأت الجملة الدالة عليه بذكر لفظة الجلالة، فأضفى عليها مزيدا من الجلال والفخامة، والزمخشري يقول في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} ٥، تكرير الضمير بعد إيقاعه اسما لإن تأكيد على تأكيد لمعنى اختصاص الله بالتنزيل، ليقر في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أإذا كان هو المنزل لم يكن تنزيله على أي وجه نزل إلا حكمة، وصوابا كأنه ما نزل عليه القرآن تنزيلا مفرقا منجما، إلا أنا لا غيري، وقد عرفتني حكيما يتنزل كل ما أفعله على مقتضى الحكمة.

هذا كله إذا كان المسند إليه غير مسبوق بنفي كما رأيت في الأمثلة والشواهد، أما إذا سبق بنفي فإن القول فيه يختلف، فعبد القاهر وجمهور البلاغيين يرون أنه يفيد الاختصاص قطعا، فقولك: ما أنا فعلت، يفيد أن ذلك الفعل لم أفعله أنا وقد فعله غيري، فالفعل ثابت قطعا وإنما توجه النفي إلى الفاعل المذكور خصوصًا، وهذا يتضمن أن له فاعلا آخر غير


١ هود: ٦١.
٢ العنكبوت: ٦٢.
٣ التوبة: ١٠١.
٤ الزمر: ٢٣.
٥ الإنسان: ٢٣.

<<  <   >  >>