للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شاعر: والشعراء يرددون معانيه وصوره، ويعيدونه إلى الممدوح كما قال:

بشعري أتاك المادحون مرددا

هذا خلاصة رأي عبد القاهر كما قلنا، وتبعه جمهور البلاغيين.

وذهب السكاكي في تحديد دلالة هذا اللون من التراكيب مذهبا آخر لم ينظر فيه إلى النفي، تقدم أم تأخر، وجد أم لم يوجد، وإنما المعول عليه عنده في إفادة تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي الاختصاص أن يتحقق شرطان: الأول: أن يصح تأخير المسند إليه، وتصير العبارة قمت أنا، ويكون المسند إليه حينئذ فاعلا في المعنى لا في اللفظ؛ لأن الفاعل في اللفظ هو التاء في قمت، والشرط الثاني أن يقدر أن أصل العبارة هو التأخير أي أن يعتبر المتكلم أن أصل العبارة قمت أنا، ثم يتصرف فيها ويقول: أنا قمت؛ وهذا التصرف والاعتبار من المتكلم يفيد أنه حين قصد إلى هذا التقديم إنما أراد الاختصاص، فلو قال قائل: أنا قمت، ولم يراع أن الاصل قمت أنا، وإنما بناها هكذا على تقديم المسند إليه، قلنا: إن هذا التركيب لا يفيد الاختصاص، هذا خلاصة كلامه.

وهذا يتجافى في تقديرنا مع فطرة اللغة، ويسر أدائها لمعانيها ولا نعتقد أن هناك متكلما يفكر في الصياغة هذا التفكير، ويفترض أن: أنا قمت أصلها قمت أنا، ثم يخالف هذا الأصل ليفيد معنى الاختصاص، فإذا لم ينشغل ذهن المتكلم بهذا الغرض قلنا: إن عبارته لا تفيد ما تفيده عبارة غيره، لا نعتقد أن متكلما صاحب سليقة في اللغة يفعل هذا؛ لأن أحوال الصياغة وما فيها من دقائق عجيبة، وخفية إن هي إلا استجابات تلقائية لخواطر المتكلم، ومقاصده ما دام صحيح الطبع سديد التفكير، وهذا الافتراض الذي ذكره السكاكي يذكرنا بما يشبهه في تفكيره في الصياغة حين يقول في بعض الصور إن هذه إلا تحسن إلا من البليغ، ويعني به الذي يعرف خصوصيات التراكيب، وهذا ومثله في تقديرنا أثر من آثار الظروف المحيطة بالسكاكي، ومن في مثل حاله

<<  <   >  >>