للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من علماء المسلمين، فقد كانوا يكتبون لغير أصحاب اللغة، وكانوا يكتبون لبيئاتهم ومجتمعاتهم، وكانت هذه المجمعات تنطق اللغة العربية في ضوء القواعد أي أن لسانهم كان يمضي في النطق على أساس القواعد لا على أساس الفطرة، ومن هنا نشأت أمثال هذه الملحوظات، ودعنا من هذا، وأعلم أن خلاصة ما قدمناه هو أن قولنا: محمد قام يفيد التوكيد وصالح لأن يفيد الاختصاص عند غير السكاكي، وقولنا: أنا قمت يفيد التوكيد، وصالح لأن يفيد الاختصاص عند الجميع، وقولنا: ما أنا فعلت يفيد الاختصاص عند غير السكاكي قطعا، وعند السكاكي احتمالا مثل أنا فعلت تماما، أما قولنا: أنا ما فعلت فهو مثل أنا فعلت عند الجميع؛ لأن النفي لا يعتبر إلا إذا سبق المسند إليه.

ولعل الذي أغرى عبد القاهر بالقطع بأن مثل ما أنا فعلت يفيد الاختصاص قطعا، هو ما لحظه من تسلط النفي على الفاعل، ففهم من ذلك أن النفي خاص بالفاعل، وأن الفعل غير منفي، وإذا كان الفعل غير منفي، وقد نفي فاعل مين فقد وجب أن يكون هذا الفعل مسندًا إلى فاعل آخر، وهذا هو معنى الاختصاص.

والذي قاله عبد القاهر في هذا مع دقته التي أغرت الباحثين من بعده ليس عندما على إطلاقه، وإنما هو أمر غالب لا لازم؛ لأن المتكلم حين يسلط النفي على الفاعل لا يزلم منه ثبوت الفعل؛ لأن الفعل مسكوت عنه فيمكن أن يكون ثابتا كما في أمثلة الاختصاص التي ذكرها عبد القاهر، وقد يكون غير ثابت كما في قولنا: ما أنا قلت هذا أي هذا الذي تزعمون أنه قد قيل، نعم يمكنك في هذا المعنى أن تقول ما قلت هذا، ولكنك قدمت الفاعل للاهتمام، والرغبة في توكيد نفي الفعل عنه، وقد جاء هذا التركيب في القرآن الكريم من غير أن يكون دالا على الاختصاص، وذلك كقوله تعالى:

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ

<<  <   >  >>