للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} ١، فقوله: ولا هم ينصرون -ولا هم ينظرون، قدم فيه المسند إليه على الخبر الفعلي، وهو مسبوق بحرف النفي، ومع هذا يفيد التقوية فقط؛ لأن الاختصاص يعني أن يغرهم ينصر من عذاب الله، وينظر حين تأتيه الساعة وذلك لا يكون.

وقد رأيت مثل ذلك في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كلام الذين نزل القرآن فيهم، ولكنني لم أقيده غفلة أو اكتفاء بما في الكتاب العزيز.

وتأمل الصور المفزعة التي تضعها الآية الأولى شاخصة أمام عيون الكافرين ليرتدعوا: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ} النار تنصب على وجوهم وظهورهم، وهم يجاهدون دفع هذا الويل القاهر فلا يستطعون، وتأمل الآية الثانية وأحسن تدبر: {فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} ، وما وراء ذلك من تداعي الأفعال تداعيا يطوي في اقتداره المتدفق محاولاتهم اليائسة في رده.

وقد استدركنا على عبد القاهر في بحث آخر حكمه بالفساد على مثل قولنا: القيت زيدًا أم عمرًا؟ لأنه يرى تقديم الفعل مسبوقا بالاستهفام الذي هو أخو النفي يفيد تخصيص الفعل بمعنى الاستفهام، فهو المسئول عنه وأوقع أم لا، فإذا قال بعد ذلك: أم عمرا فقد أفاد أنه يشك في المفعول لا في الفعل، وهذا تناقض في العبارة كما يقول: استدركنا عليه ذلك، وبينا أن سيبويه -وقد شافه الأعراب- يجيز ذلك وهو عنده حسن، والأحسن أن يقال: أزيدا لقيت أم عمرًا؟

قلنا: إن السكاكي يرى أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي يفيد الاختصاص بشرطين ذكرناهما هناك، وبقي أن نقول: إن هذا الاشتراط عنده خاص بالمسند إليه إذا كان معرفة، أما إذا كان نكرة مثل: رجل جاءني، فإنه يفيد


١ الأنبياء: ٣٩، ٤٠.

<<  <   >  >>