للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْآخِرَةَ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} ١، وفي قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} ، ليطابق: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ٢، وهكذا.

ويستدل ابن الأثير على أن التقديم هنا لحسن النظم السجعي، بأن التأخير يفسد حسن نظم الكلام، ولا ينكر -ومثله العلوي- أن هذه الآيات مفيدة للاختصاص، ولكنهم يقولون: إن الاختصاص مفهوم من طبيعة المعنى، فالمساق ليس إلا إلى ربك، والمستقر ليس إلا إليه سبحانه، وكذلك التوكل والإنابة، الاختصاص مفهوم كما قلت من غير خصوصية التقديم أي هو مفهوم بقرائن أخرى، وكأنهم يرون أننا لو ذهبنا إلى القول بأن نكتة التقديم هنا هي الاختصاص لذهبت النكتة التي يحرصون عليها، وهي الحسن السجعي.. وكثير من البيانيين لا يوافقون على تفسير الخصائص البلاغية في القرآن تفسيرًا يرجع إلى اللفظ الذي منه الحسن السجعي، لذلك يرفضون كلام الشيخين العلوي، وابن الأثير.

والذي نراه أنه لا تزاحم في النكات والأسرار، وأن التقديم في الآيات الكريمة يفيد الفائدتين:" فائدة معنوية وهي الاختصاص، وفائدة لفظية -وهي في تقديرنا جزء من التعبير تماما- وهي الحفاظ على التنغيم الآخذ، والتوازن الصوتي الذي يشارك مشاركة فعالة في تحريك القلوب، وبعث خوافي الإحساس والشعور، ويدرك هذه الحقيقة من ذاق حلاوة الترتيل، وجمال التنغيم في هذا القول الحكيم.

وهب أن الاختصاص مفهوم مفهوم من غير التقديم، فإن هذا لا يعني أن يتجرد التقديم للحسن السجعي؛ لأن له فضيلة أفضل، وهي تقديم الجار والمجرور لمزيد العناية بمعناه؛ لأن الأهم في المساق أنه إلى ربك، والأهم في النظر أنه إلى ربها


١ القيامة: ٢٠-٢٥.
٢ القيامة: ٢٦-٣٠.

<<  <   >  >>