للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتقديم المساق وناظره، لا يذهب بالحسن النظمي فحسب، وإنما يذهب بهذه الفضيلة المعنوية الجليلة.

ثم إذا كان تقديم المسند، وهو ظرف في الإثبات موضع خلاف، فإن تقديمه وهو ظرف في النفي يوشك أن يكون موضع اتفاق في إفادة التخصيص، فقوله: {لا فِيهَا غَوْلٌ} ١، يفيد التخصيص قطعا، والمراد قصر نفي الغول عليها بخلاف خمر الدنيا فإن فيها غولا، ولو قال: لا غول فيها لأفاد نفي الغول عنها فقط من غير أن يتعرض لخمور الدنيا، ومثله قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} ٢، فإنه نفي الريب عن الكتاب الكريم دون تعرض لمعنى الاختصاص، ولو قال: لا فيه ريب لأفاد قصر نفي الريب عليه، وأن هناك ريبا في الكتب الأخرى، وليس هذا بمراد، وفرق بين قولك: هذا السيف لا عيب فيه، وقولك: هذا السيف لا فيه عيب، فالأول لنفي العيب فقط، والثاني لنفيه على وجه الاختصاص، وفيه إثبات العيب لغيره من السيوف وهذه دقائق.

قالوا: ويكون تقديم المسند للتنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت، كقول حسان بن ثابت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الطويل"

له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر

فإنه لو قال: همم له لتوهم أن كلمة -له- نعت لا خبر؛ لأن النكرة تحتاج إلى الصفة أكثر مما تحتاج إلى الخبر، وإن كان هذا التوهم سرعان ما يزول إلا أن إيقاع المعنى في النفوس من أول وهلة أولى بمقام المدح؛ ليتمكن في نفس السامع، وتجري الصفات العظيمة الواردة على الهمم من كون كبراها لا منتهى لا لها، وصغراها أجل من الدهر، وقس على هذا ما أشبهه.

ويكون التقديم للتشويق إلى ذكر المسند إليه كقوله: "من البسيط"


١ الصافات: ٤٧.
٢ البقرة: ٢.

<<  <   >  >>