للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا: إن العلم الذي له تعلق بالقراءة والكتابة هو من شأن علم العوام دون الخواص.

أما علمهم, فلا يمكن تعلمه ولا شرحه ولا الاستدلال عليه، وإما هي حالة يعيشها السالك فحسب، ومن أراد أن يصل إليها, فعليه أن يأخذ نفسه بآداب الطريقة وتعاليمها حتى يكون أهلا للعلم اللدني (١).

ولهذا يذكر الغزالي أن القلب مستعد لأن تتجلى فيه حقيقة الحق ومعرفة علوم اللوح المحفوظ الذي نقش فيه جميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة، وإنما يحول دون القلب من الحجب ما يمنع تحقيق هذه المعرفة، لكن قد تهب رياح الألطاف فتكشف الحجب عن أعين القلوب، فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ، ويكون ذلك تارة في المنام, فيعلم به ما يكون في المستقبل، وفي اليقظة، فيرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى، فيلمع في القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم، تارة كالبرق من الخاطف، وأخرى كالتوالي إلى حد ما، ودوامه غاية الندور.

ويدعي الغزالي أيضًا، أن الطرق إلى العلم اللدني لا يكون عن طريق تحصيل العلم، والنظر في المصنفات، والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة بل عن طريق المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والاستعداد بالتصفية المجردة، وقطع الهمة عن الأهل والمال والد والوطن، وعن العلم والولاية والجاه، بل حتى يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلو بنفسه في زاوية في خلوة (٢).


(١) انظر: التعرف لمذهب أهل التصوف (ص٨٧).
(٢) انظر: إحياء علوم الدين (٣/ ١٨، ١٩، ٧٦).

<<  <   >  >>