للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال له شريك: والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام، ولا معبرك بيوسف عليه السلام، أفبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحى المهدي، وقال: اخرج عني، ثم صرفه وأبعده.

ثم قال الشاطبي رحمه الله: "وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحكم فلا بد من النظر فيها أيضًا، لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته، فالحكم استقر وإن أخبر بمخالف، فمحال لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته, لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية، لأن ذلك باطل بالإجماع؛ فمن رأى شيئًا من ذلك, فلا عمل عليه، وعن ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة، إذ لو رآه حقًا لم يخبره بما يخالف الشرع" (١).

خامسًا: أن النائم ليس من أهل التحمل للرواية، لعدم حفظه.

قال النووي رحمه الله: "إن الرائي وإن كانت رؤياه حقًا ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها، لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظًا لا مغفلا ولا سيئ الحفظ، ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة, فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه.

هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة، أما إذا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمره بفعل ما هو مندوب إليه، أو ينهاه عن منهي عنه، أو يرشده إلى فعل مصلحة, فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه, لأن ذلك ليس حكمًا بمجرد المنام بل ما تقرر من أصل ذلك الشيء، والله أعلم" (٢).


(١) الاعتصام (١/ ١٦٢).
(٢) شرح النووي لصحيح مسلم (١/ ١١٥).

<<  <   >  >>