وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الأهواء المخرجة إلى الكفر، فهو ليس بكافر، لأن اسم الإسلام هو الظاهر هنالك على كل حال، من التوحيد، والإقرار برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والبراءة من كل دين غير الإسلام، وإقامة الصلاة، وصيام رمضان، وسائر الشرائع التي هي الإسلام والإيمان والحمد لله رب العالمين.
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين»(١) يبين ما قلناه، وأنه عليه السلام إنما عني بذلك دار الحرب، وإلا فقد استعمل -عليه السلام- عماله على خيبر، وهم كلهم يهود.
وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يسمى الساكن فيهم -لإمارة عليهم، أو لتجارة بينهم- كافرًا، ولا مسيئًا، بل هو مسلم حسن، ودارهم دار إسلام لا دار شرك، لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها، والحاكم فيها، والمالك لها.
ولو أن كافرًا مجاهدًا غلب على دار من دور الإسلام، وأقر المسلمين بها على حالهم، إلا أنه هو المالك لها، المنفرد بنفسه في ضبطها، وهو معلن بدين غير الإسلام لكفر بالبقاء معه كل من عاونه، وأقام معه - وإن ادعى أنه
(١) سنن أبي داود (٢٢٧٤)، وسنن الترمذي (١٦٠٤)، ورجح الإمامان أبو داود والترمذي تبعًا لجبل الحفظ الإمام البخاري إرساله، وقد رواه البيهقي موصولاً، انظر السلسلة الصحيحة (٦٣٦).