وفي هذه الآية دلالة على أن: الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر، وأنه لا يكون بمنزلة الخوف على نفسه لأن الله نهي المؤمنين عن مثل ما فعل حاطب مع خوفه على أهله وماله، وكذلك قال أصحابنا: إنه لو قيل لرجل: لأقتلن ولدك أو لتكفرن. إنه لا يسعه إظهار الكفر. ومن الناس من يقول فيمن له على رجل مال، فقال: لا أقر لك حتى تطرح عني بعضه، فحط عنه بعضه، أنه لا يصح الحط عنه وجعل خوفه على ذهاب ماله بمنزلة الإكراه على الحط، وهو فيما أظن مذهب ابن أبي ليلي. وما ذكرناه يدل على صحة قولنا، ويدل على أن الخوف على المال والأهل لا يبيح التقية؛ لأن الله فرض الهجرة على المؤمنين، ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأهلهم. فقال: ٍٍ {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} الآية [التوبة:٢٤] وقال: {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:٩٧]. (١) وقال الحافظ ابن كثير مؤكدًا على هذا المعنى: «فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ