للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا سترحل إلى دار الجزاء، هل أنت مستعد للحساب؟ تحشرج الصدر وتتابعت الأنفاس {وجاءت سكرة الموت بالحق} وفاضت الروح إلى بارئها. أصبح الجسد خامدا ممدودا وأُخذ بك من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك الغاسل وألبسك الأكفان وأوحش منك الأهل الجيران وبكى عليك الأصحاب والإخوان.

ضعوا خدي على لحدي ضعوه ... ومن عفر التراب فوسدوه

وشقوا عنه أكفانا رقاقا ... وفي الرمس البعيدة فغيبوه

وناداه البلا هذا فلان ... هلموا فانظروا هل تعرفوه

حبيبكم وجاركم المفدى ... تقادم عهده فنسيتموه

يا ابن آدم: أين الذي جمعته من الأموال وأعددته للشدائد والأهوال ولقد أصبح كفك منه عند الموت خالية صفرا، وبدّلت من بعد غناك وعزك ذلا وفقرا فكيف أصبحت يا رهين أوزاره ويا من سلب من أهله ودياره ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد وأقل اهتمامك لحمل الزاد إلى سفرك البعيد وموقفك الصعب الشديد أو ما علمت يا مغرور أن لابد من الارتحال إلى يوم شديد الأهوال وليس ينفعك ثَمَّ قيل ولا قال بل يُعدّ عليك بين يدي الملك الديان ما بطشت اليدان ومشت القدمان ونطق به اللسان وعملت الجوارح والأركان، قال تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} الإسراء: ٣٦. فإن رحمك فإلى الجنات وإن كانت الأخرى فإلى النيران.

لقد أجرى الله تعالى سنته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فمن عاش على طاعته مخلصا عمله لله تعالى ومتبعا لهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه بإذن الله تعالى يموت على طاعة وينوَّر له في قبره بل ويصبح قبره روضة من رياض الجنة جزاء كل لحظة عاشها في طاعة الله عز وجل.

فاحرص أيها المسلم على اغتنام أوقاتك بالأعمال الصالحة والتوبة النصوح واستعد للموت في كل وقت واحذر من الذنوب والمعاصي ومن تضييع الأوقات فهي سبب الهلاك؛ قال - صلى الله عليه وسلم - ((إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه)) صحيح الجامع١/ ٢٦٨٦.

خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذلك التقى

واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

فيجب علينا إصلاح الأعمال قبل اخترام النفوس وحضور الآجال قبل أن تقول النفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وطاعة ذي الجلال كيف نغتر بالدنيا وقد أمدنا الله بعمر يتذكر فيه من تذكر وجاءا النذير. قد علمنا أن الآجال تنطوي والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير وا عجبا لنا نضيع أوقاتنا وهي أنفس ما لدينا باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا كدار قرار وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات، نعرض عن مولانا وقت الرخاء والسراء ونلجأ إليه حين تصيبنا الضراء أعرضنا عن ذكره، آثرنا رضا المخلوقين على رضاه أخفينا الذنوب عن خلقه وبها جاهرناه، اعتصمنا بغيره وتركناه، ألهتنا الدنيا عن ذكره فنسيناه.

ماذا أقول لربي إذا ما قال لي يوما أما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني، فما قولي له لمّا يعاتبني ويقصيني

**

[المسارعة إلى الجنة]

قال تعالى {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين} آل عمران: ١٣٣.

وصف الله تعالى الجنات في كتابه وصفا دقيقا يقوم مقام العيان في أكثر من سورة في القرآن وأكثر ذلك في سورة الواقعة، والرحمن، وهل أتاك حديث الغاشية، والإنسان، ويبين ذلك أيضا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأوضح بيان فنذكر هنا ما بلغنا من الأخبار الصحيحة.

إن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبشر بالجنة من آمن وعمل صالحا قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} سورة البقرة: ٢٥. والصحابة الكرام كانوا دائما يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأعمال التي تدخل الجنة وهذا دليل على حرصهم عليها وعلى الأعمال التي تقربهم إليها ودخول الجنة هو الفوز الحقيقي، قال تعالى {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} آل عمران: ١٨٥. كما أن الإيمان وطاعة الله ورسوله من أهم أسباب دخول الجنة، قال تعالى {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} النساء: ١٣.

نعيم الجنة يفوق الخيال ولا يوصف قال تعالى في الحديث القدسي ((أعدت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)) رواه البخاري٦/ ٢٣٠، ومسلم: ٢٨٢٤، والجنة مسماها ليس مجرد الأشجار والأنهار والحور والقصور والذهب والفضة واللبن والخمر؛ وإنما مسمى الجنة الحقيقي اسم لدار النعيم المطلق الكامل وأعلى درجات النعيم هو التمتع بالنظر إلى وجه الله تعالى.

فهيا بنا لنمتع أنفسنا بوصف الجنة ونعيمها ونعيش فيها بأرواحنا ونحن في الدنيا ونشوّق قلوبنا لها لتعلو همتنا ونسارع في الخيرات لننعم بدخولها ..

١ - الجنة دار الخلود، قال تعالى {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} الطلاق: ١١. وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث ((ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت)) البخاري:٤٧٣٠، ومسلم:٢٨٤٩.

٢ - بناؤها: قال - صلى الله عليه وسلم - ((الجنة بناؤها لبنة من فضة، ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر)) صحيح الجامع١/ ٣١١٦.

٣ - أبوابها: قال تعالى {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} ص: ٥٠. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)) رواه البخاري٤/ ٩٦، ومسلم: ١٠٢٧.

٤ - ترابها قال - صلى الله عليه وسلم - ((تربتها الزعفران)) صحيح الجامع١/ ٣١١٦.

٥ - حصباؤها: قال - صلى الله عليه وسلم - ((وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت)) صحيح الجامع١/ ٣١١٦.

٦ - أشجارها: قال تعالى {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} الإنسان: ١٤. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد - أي الفرس - المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها)) البخاري١١/ ٣٦٦، ومسلم: ٢٨٢٨.

٧ - أنهارها: قال تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} محمد: ١٥. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((

<<  <   >  >>