للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النية في الصبر]

إن المتأمل في سنن الله تعالى، ليعلم أن البلاء سنة من سننه الكونية القدرية، يقول الله عز وجل: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} سورة البقرة: ١٥٥.

فلقد قدر الله مقادير الخلائق وآجالهم ونسخ آثارهم وأعمالهم وقسم بينهم معايشهم وأموالهم وخلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره ركنا من أركان الإيمان، فما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته وإرادته وما في الكون كائن إلا بتقدير الله وإيجاده والدنيا طافحة بالأكدار والأنكاد مطبوعة على المشاق والأهوال والعوارض والمحن، هي كالحر والبرد لا بد للعبد منهم والنفس لا تزكوا إلا بالتمحيص قال تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران: ١٤١. يقول ابن الجوزي: من أراد أن تدوم له السلامة والعافية من غير بلاء فما عرف التكليف ولا أدرك التسليم.

والابتلاء لا يكون إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني وضد الملذات، والكل حتما يتجرع مرارته ولكن ما بين مقل ومستكثر، يبتلى المؤمن ليهذب لا ليعذب؛ فتن في السراء ومحن في الضراء قال تعالى {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} الأعراف: ١٦٨. والمكروه قد يأتي بالمحبوب، والمرغوب قد يأتي بالمكروه، فلا تأمن أن توافيك المضرة من جانب المسرة، ولا تيأس أن تأتيك المسرة من جانب المضرة قال تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} سورة البقرة: ٢١٦. والفائز الحقيقي من مصائب الدنيا هو المؤمن قال - صلى الله عليه وسلم - ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم:٢٩٩٩

والصبر من محاسن أخلاق المسلم التي يتحلى بها، وهو: حبس النفس عما تكره أو احتمال المكروه بنوع من التسليم والرضى ولا يأذن لها في فعلها مهما تاقت لذلك طبعها ويحبسها عن البلاء إذا نزل بها فلا يتركها تجزع أو تسخط بل تبذل الجهد وتصبر. قال - صلى الله عليه وسلم - ((إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المئونة، وينزل الصبر على قدر البلاء)) صحيح الجمع١/ ١٩١٩. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((ومن يتصبر يصبره الله)) البخاري:٣/ ٢٦٥،مسلم:١٠٥٣

والصبر ثلاثة أنواع:

١ - الصبر على الأقدار:

لابد لكل مسلم أن يعلم أنه كلما تسمك بدينه كلما عظم بلاءه، وليس هذا عجيبا لأن الله تعالى يبتلي المسلم على قدر دينه، وكلما صبر وتحمل كثر جزاؤه وارتفعت درجته في الجنة قال - صلى الله عليه وسلم - ((يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلائه وإن كان في دينه رقَّة ابتلي على حسب دينه)) السلسلة الصحيحة:١/ ٢٢٥

والصبر على الأقدار هو أن تصبر على ضيق المعيشة أو قلة الرزق أو مرض يصيبك أو فقد حبيب أو ضياع منصب أو مال ..

٢ - الصبر على ترك المعاصي:

هو أن تجاهد وتصبر نفسك على ترك المعاصي من أجل الله تعالى فإذا دعتك نفسك يوما إلى المعصية فتذكر مراقبة الله تعالى لك وأنه قادر عيك ومحيط بك وتذكر الوقوف بين يديه .. ، واعلم أن الله

<<  <   >  >>