للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو يكون معنى الغرابة - وهذا هو الأصل فيها - أن يكون معنى الغرابة أن يُخَرَّجَ لها وجهٌ بعيد، يعني: يُطْلِقُ لفظ ويريد به معنًى ولا يتضح معناه، يعني غير ظاهرة الْمَعْلَم مع كون الكلمة مستعملة لكنه لكونه أوردها في تركيبٍ ما احتاج إلى أن يُنَقَّر وأن يُبْحث وأن يتأمل ماذا أراد بهذا اللفظ، كما في قول العجاج: وفاحمًا ومرسنًا مُسَرًّجًا. مُسَرًّجًا كلمة ليست مثل في تكأكأتم ها ولا هُعْخع وإنما هي مستعملةٌ في موضعٍ بالتركيب قد أدى إلى لبسٍ في فهم المراد، فهي غير ظاهرة لماذا؟ ولذلك لم يعرف ما أراد بقوله مُسَرًّجًا كما نص القزويني على ذلك حتى اخْتُلف في تخريجه على أقوال: ماذا أراد مُسَرًّجًا؟ فقيل: هو من قولهم للسروج سُرَيْجِيَّة منسوبةً إلى قيمٍ حداد يقال له سُرَيْج، وفاحمًا ومرسنًا مُسَرًّجًا. يعني: السيوف مُسَرَّجَة يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السُّريجي، وقيل: لا، بل هو من السِّراج يريد أنه في البريق كالسراج وهذا يقرب من قولهم: سَرِجَ وجْهُهُ، أي حَسُنَ، وسرَّج الله وجهه أي بهجه وسنه.

إذًا لما احتملت معنيين، واختلف في المراد بالمعنى من الكلمة لم يتضح المراد، قالوا: هذه نوع غرابة فتجعل الكلمة غير فصيحة لكونها غريبة.

إذًا الغرابة المراد به نوعان:

غرابةٌ لا يُدرى ما المعنى حتى يُرجع إلى المعاجم.

غرابةٌ بأن تكون الكلمة مستعملة ومأنوسة إلا أنه خَرَّجَهَا على معنًى بعيد، أو أنه لما أطلقها في تركيب ما احتملت وجهين فأكثر.

وأشار إلى الثالث في قوله: (وكونه مخالف القياس) كونه بالجر عطفًا على قوله: (مِنْ نُفْرَةٍ) من (كونه مخالف القياس) عطف على قوله ... (نُفْرَةٍ)، (وَكَونُهُ) أي المفرد، (مُخَالف)، (مُخَالف) اسم فاعل أو مفعول؟ خَالَفَ يُخَالِفُ فهو مُخَالِف إذًا اسم فاعل من خَالَفَ عن الأمر خَرَجَ، إذًا (مُخَالف) بكونه مخالفًا، (مُخَالف) هذا خبر كون، ... (مُخَالف) أي خارجًا عن القياس، والمراد بالقياس هنا قياس الصرفي، يعني لم يأت هذا اللفظ المفرد على سنن قواعد الصرفيين بأن يكون مخالفًا لها، ولو عبَّر بالقانون لكن أحسن، أي لقاعدة من قواعد عربية وذلك بأن تكون الكلمة على خلاف القانون المستنبط من تتبع لغة العرب أعني مفردات ألفاظهم الموضوعة، وما هو في حكمها كوجوب الإعلال في نحو قَامَ، قَامَ أصله قَوَمَ لو استعمل قال: قَوَمَ زيد. لو تكلم متكلم قال: أنا ما أريد أن أُعِلّ، ما دام أن أصل الألف هذه اتفاقًا أصلها واو، وأصله باب فَعَلَ والكلّ اتفقوا على أن الأصل قَوَمَ، قال: قَوَمَ زيدٌ، ما حكمه؟

نقول: خالف القياس هنا، القياس الصرفي، حينئذ قَوَمَ استعمالها ليس فصيحًا، فهذا اللفظ انتفى عنه وصف الفصاحة لكونه مخالف القياس، إذًا كوجوب الإعلال في نحو قَامَ، والإدغام في مَدّ، نقول: هذا استعمال لِمَا هو على القياس، لو فَكّ الإدغام واستعمله مَدَدَ حينئذ نقول: هذا خالف القياس. وغير ذلك مما اشتمل عليه علم الصرف، والتعبير بالقياس يَرِدُ عليه أن نحو أَبَى يَأْبَى هذا مخالف للقياس، وهل هو فصيح أم لا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>