للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قطعًا فصيح لأنه جاء في التنزيل {وَيَأْبَى اللهُ} [التوبة: ٣٢] إذا هو مخالف للقياس، هل قوله: (وَكَونه مُخَالف الْقِيَاسِ) أن كل ما خالف القواعد الصرفية وحُكم عليه بأنه شاذَّ فاستعمال هذا الشاذّ يكون ليس فصيحًا؟

لا، ليس هذا المراد، وإنما المراد ما نطقت به العرب سواء وافق القياس الصرفي أم لا؟ فحينئذ ما وافق القياس وما خالف القياس الصرفي - القواعد العامة - كله يُسمى فصيحًا، لكن لَمَّا قال: (وَكَونه مُخَالف الْقِيَاسِ) أَوْهَمَ بأن ما خالف القياس ليس فصيحًا فلا بد من التعبير الدقيق أن يقال ما خالف القانون، قانون الوضع العربي، وقد وضعت العرب بعض الألفاظ موافقةً للقياس الصرفي مصطنع عليه وبعضها مخالف، إذًا كلا النوعين - المسموع الذي يُعَبَّرُ عنه بكونه مسموعًا والقياسي - كلا النوعين نقول: استعماله يكون فصيحًا.

إذًا التعبير بالقياس يَرِدُ عليه أن نحو أَبَى يَأْبَى، وعَوِرَ، واسْتَحْوَذَ، وما أشبه ذلك من الشواذ الذي عنون له الصرفيون بالشاذّ الثابتة في اللغة هي من المخالفة للقياس فلا توصف بالفصاحة، لو وقفنا مع كلمة القياس وليس الأمر كذلك، ليس الأمر كذلك، بل ليست من المخالفة في شيء لأنه كذلك ثبتت عن الواضع في حكم المستثنات. ولو عبر بالقانون لشمل النوعين.

إذًا عندنا سماعي وعندنا قياسي، أليس كذلك؟ كلا النوعين موافقته والنطق به يكون ماذا؟

موافقًا للفصاحة. فقول الناظم كغيره من أرباب فن (مخالف القياس) أوهم أن ما خالف القياس صار في القواعد العامة وسُمِّي بالشاذّ أنه ليس بفصيح، وليس الأمر كذلك، فالمخالفة ما لا يكون على وفق ما ثبت عن الواضع، هذا المراد بـ (مُخَالف الْقِيَاسِ) ما لا يكون على وفق ما ثبت عن الواضع نحو ماذا؟

مَثَّلُوا له بـ (الأجلل) يعني ما خالف قانون العربية كقول الشاعر:

الحمد لله العلي الأجْلَلِ

الأجلل الأصل الأجلّ بالإدغام، هل سُمِعَ الأجلل؟ لا، ما سمع، إذًا الأجلّ فكّه من أجل الوزن، أَجْلَلِ نقول: هذا لم يستعمله العرب هكذا، وإنما فكّ الإدغام. هل نطقت العرب بهذا اللفظ؟

الجواب: لا. إذًا هذا اللفظ نقول غير فصيح لكونه مخالفًا لِمَا وضعه الواضع الذي تكلم بهذه الألفاظ، فإن القياس الأجلّ بالإدغام، إذًا فصاحة المفرد خلوصه من ثلاثة أشياء: (من نفرة فيه) أي المفرد، (وَمِنْ غَرَابَتِهْ) يعني غرابته من حيث المعني، النفرة تعود إلى الحروف اللفظ، والغرابة تعود إلى المعنى، (وَكَونُهُ مُخَالف الْقِيَاسِ) تعود إلى الوضع العام، يعني ما نطقت به العرب سواء ما سُمِّي سماعيًا عند الصرفيين أو سمي قاسيًا فكلا النوعين يكون موافقته موافقة للقياس، فهذه الثلاثة لا بد من اعتبارها عند الحكم على اللفظ بكونه فصيحًا.

علامة كون الكلمة فصيحة أن يكون استعمال العرب الموثوق بعربيتهم لها كثيرًا - وهذا هو الميزان - وليست الفصاحة أن يأتي بألفاظ لا يعرفها السامع - ليقال بليغ ونحو ذلك هذا غلط هذا جاهل، فحينئذ نقول: ما كثر استعماله في لسان العرب هو الذي يستعمله الفصيح والبليغ، فنحكم على الكلمة بكونها فصيحة إذا كثر استعمالها في لسان العرب أو أكثروا من استعمالها أو أكثروا من استعمالها ما بمعناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>