للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاستغفار أثناء العمل، أما الشيخ ابن جبرين- رحمه الله - فيرى ضرورة أداء العبادات تامّة بفرائضها ونوافلها، ويتبعها الاستغفار بعدها، وهذا قد يكلّف صاحب العمل الكثير، ومعلوم أنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، هذا على اعتبار التزام جميع العمّال بالنصف ساعة التي يُطالب بها الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-، كما يُمكن لصاحب العمل تقسيم وقت الراحة- الذي هو حق للعامل- حسب الصلوات التي يُصليها العامل في مكان العمل، بمعنى أن العامل إذا كان يعمل عملاً ويمكث فيه وقتاً يستغرق صلاة الظهر والعصر، فإن صاحب العمل يقسم وقت الراحة - ساعة مثلاً- إلى نصفين، النصف الأول وهو نصف ساعة يتمتع به العامل وقت صلاة الظهر، بحيث يصلي صلاة الظهر ويأخذ قسطاً من الراحة، ثم النصف الثاني يتمتع به العامل عند صلاة العصر يفعل ما فعله عند صلاة الظهر.

وهذا الذي سبق يتعلق بالصلوات المفروضة، وعلى اعتبار صلاة الجماعة من أفضل الفضائل التي حثّ الإسلام عليها في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تُب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه" (١)، وإذا كان المسجد قريباً لمكان العمل فالأولى أن تتم الصلاة في المسجد، مالم يتضرر صاحب العمل، وإذا كان المسجد بعيداً فالصلاة في مقرّ العمل هو الواجب، لأن هذا هو المستطاع، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢)،

ولم يتطرق قانون العمل الفلسطيني للحديث عن وقت الصلاة، بل أبقى ذلك لتقدير صاحب العمل، ويُمكن أن تؤدى الصلوات المفروضة بكل سهولة ويُسر، حيث يُنظم صاحب العمل طريقة مناسبة لطبيعة عمله، بحيث يقسم العمّال إلى قسمين، قسمٌ يُدير العمل، والقسم الآخر يُصلي، ثم يتناوب الفريقان على الصلاة والعمل، وهذا يختلف باختلاف طبيعة العمل الذي يقوم به العامل، فالعامل الذي يقوم بأعمال مكتبية، فهؤلاء يغلب على أعمالهم السهولة وتوفر أوقات الفراغ، وهذا النوع ينبغي عليهم الصلاة في وقتها، أما العمّال الذين تتطلب طبيعة أعمالهم المراقبة المستمرة للآلات، ينبغي على صاحب العمل تقسيم العمّال إلى قسمين، قسم يؤدي الصلاة، والقسم الآخر ينوب عنهم ويستقبل المراجعين، وبهذا لا تؤدي الصلاة إلى تعطيل العمل.


(١) رواه البخاري في صحيحه، ص ٥٠٣، كتاب البيوع، باب ما ذُكر في الأسواق، برقم (٢١١٩). ورواه مسلم في صحيحه، ص ٢٥٨، كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة، برقم (٦٤٩).
(٢) سورة التغابن، آية رقم ١٦ ..