للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث

حق العامل في تأدية صلاة الجمعة

العمل يوم الجمعة من المباحات التي جاءت به عموم الأدلة من القرآن والسنة التي تُبيح العمل في كل الأوقات، أما العمل وقت النداء لصلاة الجمعة فقد جاء النهي عنه في قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (١) وموضع الاستدلال أن الأمر بترك العمل والبيع وقت صلاة الجمعة، وفعل ذروا يُفيد الترك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" (٢) وهنا يمكن أن يُثار التساؤل الآتي: هل يحق للعامل الذي اتفق مع صاحب العمل على العمل يوم الجمعة أن يذهب إلى المسجد، ليستمع خطبة الجمعة ثم يشهد الصلاة ويعود بعد ذلك إلى مكان عمله؟

وهذا التساؤل يخصّ الحرّاس في المنشآت وموظفي محطات الاتصالات والأطباء المناوبين في المشافي والمستوصفات الطبية، فإذا كان هؤلاء العمّال خارج البلد الذي تُقام فيه الجمعة، وهم بعيدون عن المسجد، فهؤلاء لا تلزمهم الجمعة، ويصلونها ظهراً، وإن كان من الأولى أن يتكفل صاحب العمل بأن يوصلهم للمسجد إن كان ذلك ممكناً؛ لأن في ذلك خيرٌ له ولهم.

ولكن إذا كان تركهم للعمل وقت صلاة الجمعة يترتب عليه الإضرار بالعمل أو صاحبه، كاحتمال أن تتعطّل الآلات، أو حدوث حرائق، ووجد في المصنع أو المنشأة جماعة من العمّال فإنهم يصلونها جماعة في مكان العمل، وقد سئلت اللجنة الدائمة ... عن موظفي الهاتف الذين يستمر عملهم يوم الجمعة وقت الصلاة، وإذا تركوا العمل توقفت الاتصالات اللاسلكية والهاتفية، فأجابت:" ... ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة، وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة، فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٣)، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على


(١) سورة الجمعة، آية رقم ٩.
(٢) رواه مسلم في صحيحه، ص٣٣٤، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، برقم (٨٦٥).
(٣) سورة التغابن، آية رقم ١٦.