للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الرابع

ضمانات الوفاء بالأجرة

لأن الأجرة أهم الالتزامات التي يفرضها الشارع الحكيم على المستأجر، فقد منح الإسلام للعامل ضمانات تُعينه على تحصيل أجرته من صاحب العمل، ومن هذه الضمانات:

الضمان الأول: حبس العين حتى يحصل العامل على أجرته، وقد قسّم الفقهاء الأجراء إلى قسمين:

القسم الأول: من له أثر في العين، كالخياط أو النجار، فهذا النوع اختلف الفقهاء في حكمه، فكانوا على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: منع أصحاب هذا المذهب أن يحبس العامل العين حتى يحصل على أجرته، وقال بذلك بعض الحنفية (١)، وهو أحد قولي الشافعية (٢)، وأحد قولي الحنابلة (٣) بشرط أن لا يفلس المستأجر، حيث جاء في تبيين الحقائق:" المعقود عليه صار مسلماً على صاحب العين باتصاله بملكه فسقط حق الحبس به؛ لأن الاتصال بإذنه فصار كالقبض بيده، ألا ترى أنه لو أمر شخصاً بأن يزرع له أرضه حنطة من عنده قرضاً، فزرعها المأمور صار قابضاً بملكه، وصار كما إذا صيغ في بيت المستأجر لا يملك الحبس؛ لأن يد المستأجر على منزله" (٤) ولأن الأجرة في الذمة، ولم يشترط رهن العين فيها، فلا يملك الأجير حبسها بدون إذن أو شرط رهن، ولم توثق الأجرة برهن العين، ولا يكون الرهن إلا برضا مالك الرهن.

المذهب الثاني: وقد قال أصحابه بجواز حبس العين لحين الحصول على الأجرة (الجواز المشروط)، وبذلك قال جمهور الحنابلة (٥)؛ لأن عوض الأجرة (العمل) موجود في العين، كالثوب مثلاً الذي يملك العامل حبسه إذا تبين إعسار المستأجر، أما إذا لم يثبت إعسار المستأجر فلا يحبس العين.


(١) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج٥، ص١١١.البغدادي، أبو محمد بن غانم بن محمد، مجمع الضمانات في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ص٤٥،ط١، المطبعة الخيرية، القاهرة، مصر.
(٢) النووي، محيي الدين بن شرف المجموع شرح المهذب، تحقيق محمد نجيب المطيعي، ج١٤، ص٣١٦، بدون رقم طبعة، مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية.
(٣) ابن قدامة، المغني، ج٦، ص ١١٦.
(٤) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج٥، ص١١١.
(٥) البهوتي، كشاف القناع، ج٤، ص٣٧.