للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني

متابعة العامل للعمل بنفسه

أمر الله - سبحانه وتعالى - بالوفاء بالعهود والمواثيق حيث قال:" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (١) والأمر هنا للوجوب، إذ لا قرينة صارفة له عن الوجوب، ولا فرق في الوجوب بين عاملٍ وآخر، فمن التزم بشيء بموجب عقد صحيح لزمه الوفاء، ومن المعلوم أن الموظف أو أي مستخدم بأجرة إنما استُؤجر ليقوم بالعمل بنفسه، وهذا على خلاف الأجير المشترك، الذي يعمل للمؤجر ولغيره، فإنه يجوز له أن يوكّل غيره بالعمل المتّفق عليه، ما لم يُشترط في العقد قيام الأجير المشترك بنفسه بالعمل، فقد جاء في كشاف القناع:" وإذا تقبّل الأجير عملاً في ذمته بأجرة، فلا بأس أن يقبله غيره بأقل منها- أي من أجرته-" (٢) وهذا يُمكن أن يتم بشرطين:

الأول: أن يلتزم المستأجر في جودة العمل.

الثاني: أن لا يكون المستأجر اشترط قيام الأجير المشترك بالعمل بنفسه دون غيره، وتقوم القرائن والعرف مقام الشرط.

هذا إذا كان الاتفاق ينصّ على قيام العامل بالعمل بنفسه دون إنابة آخر؛ لأن الإجارة المعيّنة بشخص معيّن تقتضي أن يقوم العامل بالعمل بنفسه، وقد جعل العلماء المعاصرون الإجارة المعيّنة ثلاث حالات:

الأولى: النصّ على أن يقوم الأجير بنفسه، وفي هذه الحالة لا يجوز للعامل أن يُنيب غيره للعمل، وذلك كالاتفاق بين الأجير وصاحب العمل على تصليح جزءٍ من البيت المهدّم، فلا يجوز للعامل استنابة أحد لذلك العمل، و إذا أناب غيره بالعمل الموكّل إليه لم يستحق الأجرة المسماة. (٣)

الثانية: النصّ في الاتفاق- صراحة أو ضمناً - على أن يقوم العامل بالعمل بنفسه أو بغيره، فإذا وافق صاحب العمل جاز ذلك؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً حرّم حلالاً،


(١) سورة المائدة، آية رقم ١.
(٢) البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، ج٣، ص٥٦٦،طبعة عام ١٩٨٢م، دار الفكر، بيروت، لبنان.
(٣) القردة داغي، الإجارة على منافع الأشخاص، ص ٥٥.