للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث

وقت دفع الأجرة وتملكها

بما أن الأجرة ركن من أركان عقد الإجارة- عند جمهور الفقهاء- جاء الشرع الإسلامي بالتأكيد على وجوب الوفاء بها، وتمثل ذلك في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه" (١) وفيه دليل على وجوب إعطاء الأجير أجرته، بل والاستعجال في ذلك أولى من الإبطاء.

وقد اتفق الفقهاء على أن للعاقدين (الأجير والمستأجر) أن يتفقا على طريقة دفع الأجرة، فلهما الاتفاق على تعجيلها بعد الاتفاق وقبل الانتهاء من العمل، كما لهما الاتفاق على التأجيل بعد فراغ العامل من عمله، ولا يُمنعا من الاتفاق على تقسيطها حسب ما يتوافق عليه الطرفان (٢)، في حين اختلف الفقهاء في بعض الحالات، لما لتأخير الأجرة فيها من ممنوعات شرعية منها:

الحالة الأولى: إجارة الذمة، كمن يستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل، أو يقول: ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب أو بناء الحائط (٣)،وكأن يقول رجل لأحمد- مثلاً-: اتفقت معك على أن تقوم بجلب شخص مواصفاته كذا ليقوم بالإشراف على علاجي لمدة شهر، وأدفع له أجرة كذا، وحينئذ يجوز أن يقوم أحمد بهذا الواجب أو أي شخص تتوافر فيه المواصفات المطلوبة، وفي هذا النوع من الإجارة يرى المالكية (٤) والشافعية (٥) أن الأجرة يجب أن تُسلّم في مجلس العقد، وإن كان المالكية (٦) أجازوا تأخير دفع الأجرة إذا شرع المستأجر في استيفاء المنفعة خلال ثلاثة أيام من تاريخ الاتفاق على العقد، وإن تأخر كان العقد باطلاً؛ لأن المستأجر إذا استوفى جزءاً من المنفعة عُدّ مستوفياً للمنفعة.

الحالة الثانية: إذا كانت الأجرة عيناً، كأن تكون الأجرة سيارة مثلاً، ففي هذه الحالة يشترط الشافعية (٧) والحنابلة (٨) تعجيل الأجرة؛ لأن الأعيان لا يجوز تأجيلها لما في التأجيل من خوف التلف أو تغيّر


(١) سبق تخريجه ص ١٧.
(٢) الماوردي، الحاوي الكبير، ج٩، ص ٢١١. ابن قدامة، المغني، ج٦،ص١٦،الكاساني، بدائع الصنائع، ج٤، ص٢٠١.
(٣) النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج٤، ص٣٤٤.
(٤) الحطّاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ج٦، ص٥٠٠.
(٥) الشيرازي، المهذّب، ج٢، ص٤٠٦.
(٦) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج٤، ص ٧.
(٧) الشربيني، محمد، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ج٢، ص٧١، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان.
(٨) ابن قدامة، المغني، ج٦، ص٥.