للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الرابع

حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة

مما لا شك فيه أن حرص الإنسان على الاستزادة من النوافل من أسباب الأجر والمغفرة، وهذا أمر محمود ومندوب إليه، إلا أن هذا مشروط بأن لا يؤدي البحث عن فضيلة إلى تفويت ما هو أفضل منه، فلا يحرص المسلم على نافلة على حساب التفريط في واجب (إتقان العمل وحفظ أمانته)، ولا عجب أن نجد الفقهاء السابقين قد تحدثوا عن أداء الأجير للنوافل فقد نصّ فقهاء الحنفية على قولين في المسألة:

القول الأول: ليس للأجير الخاص أن يصلي النافلة (١) وهو قول لبعض الحنفية.

القول الثاني: أن للأجير الخاص أن يصلي النافلة، وهو المعتمد عند الحنفية، وهو الذي عليه الفتوى في المذهب، ويسقط من الأجر بقدر اشتغاله إن كان المسجد بعيدا (٢)، وجاء في بعض كتب الشافعية:" ولو اكتراه لعمل مدة مثلاً فزمن الطهارة والصلوات فرائضها وسننها الراتبة مستثنى منها ولا تنتقص من الأُجرة شيئاً، وكذا سبت اليهود والأحد للنصارى إن اعتيد ذلك" (٣)،وقد نص الحنابلة في كتبهم عند الحديث عن الأجير الخاص فقالوا:" ... وله فعل الصلاة في وقتها بسننها والعيد" (٤)، ولهم رواية أخرى مخالفة لهذه المذكورة وقد ذكرها صاحب الإنصاف عند حديثه عن الدليل الذي يقود البعير بالمستأجر، وقد ذكر أن الرواية الأولى هي الأصح في المذهب الحنبلي. (٥)

ويشمل الحديث صلاة الضحى، والاستسقاء والجنازة، والتراويح في شهر رمضان، وهذه يرى الباحث أن لا تُصلّى في مكان العمل الذي لا ينبغي لعامله مغادرة مكانه، ويُرجع في ذلك لمصلحة العمل وإذن صاحبه، وقد يتحجج بعض العمّال بوجود وقت فراغ، ففي هذه الحالة ينبغي أن يكون أداء العمل مقدماً على غيره، وبعد فراغه من تكاليف العمل لا بأس إذا استغل هذا الوقت بالنوافل كالتسبيح والذكر ومطالعة المفيد من الكتب أو قراءة القرآن الكريم، بشرط ملائمة ذلك لطبيعة العمل، وأن لا يفرّط أو ينقص من أداء عمله، فإنّ ذلك لا يجوز، وبالنسبة للوظيفة التي ينبغي على الإنسان


(١) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج ٩، ص ٩٢.
(٢) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج ٩، ص ٩٢.
(٣) البرماوي على شرح الغاية، ص١٨٠.
(٤) ابن مفلح، الفروع، ج٤، ص٣٣٦.
(٥) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج٦، ص٥٦.