للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الرابع

استعمال وسائل النظافة والوقاية

لا نجد اليوم شيئاً غريباً في أن الطب النبوي توصل إلى كثير من مفاهيم الطب الوقائي، إذا وضعنا هذه المفاهيم في إطارها الزمني ومجالها الحضاري، وإذا عرفنا الشعار المعروف (الوقاية خير من العلاج) فإن استقراء الطب النبوي في المفهوم الوقائي، يجعلنا -دون أدنى شبهة- انحيازاً نشير إلى أن شعار الوقاية خير من العلاج شهد أول بذرة له في عصر الطب النبوي.

لقد تحدث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الطب والصحة والمرض، والوقاية من العدوى وفي فضائل الأطباء، بل إن بعض الكتب التي جمعت أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعدُّ بلغة العصر (دائرة معارف للطب النبوي) ضمنها المفاهيم الوقائية والعلاجية من منظور إيماني إسلامي.، وينحصر المفهوم الوقائي في الطب النبوي في أن النظافة من الإيمان، فقد حثّ الإسلام على النظافة وجعلها من الإيمان، حيث روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله طيِّب يحب الطَّيِّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظِّفوا أفنيتكم، ولا تشبّهوا باليهود" (١)، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو قال تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " (٢) وموضع الاستدلال أن الطُهور المقصود به الطهارة، لأن صيغة فعول المقصود منها الفعل -يعني: ما يفعل- فالطهور هو التطهر كما أن الفطور هو فعل الإفطار، والسحور هو الفعل نفسه، بخلاف الطَهور -بالفتح-: فإنه ما يتطهر به -يعني: الماء يسمى طهوراً-، وأكلة السحر تسمى سَحوراً -بالفتح-، والفطور يسمى فَطوراً -بالفتح- إذا كان المراد الذي يؤكل، أما الفعل نفسه فهو طهور للطهارة، وسحور للتسحر، فقوله عليه الصلاة والسلام هنا: الطُهور يعني: التطهر (٣).

ومما يؤكد ضرورة التزام العامل بقواعد النظافة واللياقة وجود كثير من الأعمال التي تتطلب ظهور العامل بمظهر لائق، وبملابس نظيفة نظراً لارتباط هذه الأعمال بالجمهور، كما أن وجود بعض الأعمال التي يعكس مظهر العامل صورة عن جودتها وخلوها من الأوساخ والجراثيم، كالمطاعم


(١) رواه الترمذي في سننه، ص (٦٢٦) برقم (٢٧٩٩) وحكم عليه الألباني بأنه ضعيف، الألباني، محمد ناصر الدين، ضعيف سنن الترمذي، ص٣٣٢، برقم (٢٩٦٣) ط١، ١٩٩١م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.
(٢) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم (٢٢٣).
(٣) النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج٢، ص٨٦.