للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث

التعاون بما يحقق مصالح العمل

إننا إذا نظرنا إلى الإسلام نظرة شاملة، وجدنا مبدأ التعاون يتغلغل في جميع جوانب الحياة، الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى الإنسان فإنه بطبعه لا يُمكن له إلا أن يعيش في مجتمع، يُعينه ويستعين به، وإهمال هذا المبدأ يؤدي - بالتأكيد- إلى ظهور صفة السلبية في التعامل بين أفراد المجتمع، واللامبالاة بهموم الناس ومشاكلهم، خصوصاً إذا انعدمت قناعة الشخص بالتعاون، إلا إذا كان على أساس مادي، أو بمقابل، أو مشروط بمنفعة مقابلة.

كما أن العمل الجليل و الإنتاج الغزير لا يتحققان إلا بطريق العمل الجماعي، وهذا بخلاف العمل الفردي الذي لن يثمر إلا شيئاً يسيراً من الأعمال التي تتناسب مع مستوى طاقة الفرد.

ولا ريب أن الحالة النفسية للعامل لها أثرها الطيب في زيادة الإنتاج، وكثرة العطاء، لذلك كان لا بدّ من الحرص على تنمية ملكة التعاون بين العمّال، وهذا لا بدّ من تأصيله شرعاً حتى لا يُعتبر نافلة من القول، بل هو واجب جاء به قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (١)، ولقد ضرب لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثالاً غاية في الروعة، وشعوراً بضرورة التعاون حيث روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم - فقال:" بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء رجلٌ على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضلٌ من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل" (٢)، ومن هذا الحديث يُمكن استنباط قاعدة أخلاقية في العمل وهي أنّ من كان معه فضلٌ من وقت فليعد به على من لا وقت لديه من زملائه في العمل لأداء مهامه، وهي قاعدة جليلة في أثرها إذا تم مراعاة التخصص والخصوصية.

ولقد حثّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على معونة العمّال فقال:" يا أبا ذر أعيّرته بأمّه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خَولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس،


(١) سورة المائدة، آية رقم ٢.
(٢) رواه مسلم في صحيحه، كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، ص٨٧٣، برقم (١٧٢٨).