للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوصاف، وهو ما يسبب الخصومة والشقاق، أما إذا أطلق العاقدان وقت تسليم الأجرة، فتمّ العقد دون الاتفاق على وقت دفع الأجرة، فقد انقسم الفقهاء في وقت التسليم إلى فريقين:

الفريق الأول: ذهب الشافعية (١) والحنابلة (٢) إلى أن الأجرة تملك بالعقد ملكاً مراعى، ما يعني أنه كلما مضى جزء من الوقت اتضح أن المؤجر استقرّ ملكه على ما يقابل ذلك، ويستقر بذمة المستأجر إذا انتهت المدة أو استلم العمل، مستدلين بقياس الأجرة في الإجارة على الصداق في النكاح، فكما أن الصداق يجب بعقد النكاح، فكذا الأجرة تجب بعقد الإجارة.

الفريق الثاني: ذهب الحنفية (٣) والمالكية (٤) إلى أن الأجرة لا تملك بالعقد، وإنما تملك باستيفاء المنافع، واستدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (٥) وتدلّ هذه الآية على أن الأجرة تكون بعد الإرضاع؛ لأن الفاء للتعقيب، وردّوا على الفريق الأول بأن قياسهم فاسد؛ لأن علة الأصل لم توجد في الفرع، فعلة الصداق هي تسليم العوض، والمنفعة في عقد الإجارة لم تسلم عند العقد. (٦)

أما الفريق الأول فقد ردّوا استدلال الفريق الأول بأنه غير مسلّم به؛ لأن معنى الآية: فإذا بذلن الرضاع، ويُحتمل أيضاً آخر وهو الإيتاء عند الشروع في الرضاع، أو تسليم نفسها للإرضاع، ومما يوضح ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -:" {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (٧) وموضع الاستدلال أن الإنسان إذا أراد قراءة القرآن فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليس المراد إذا انتهى من القراءة (٨)، وقد ذهب الظاهرية إلى أنه لا يجوز اشتراط تعجيل الأجرة ولا تعجيل شيء منها، ولا اشتراط تأخيرها إلى أجل ولا تأخير شيء منها كذلك. (٩)


(١) الأنصاري، زكريا، شرح روض الطالب من أسنى المطالب، ج٢، ص٤٠٩، بدون رقم طبعة، المكتبة الإسلامية، لصاحبها الحاج رياض الشيخ. الشيرازي،
(٢) ابن قدامة، المغني، ج٦، ص ١٤.
(٣) الكاساني، بدائع الصنائع، ج٤، ص١٧٦.
(٤) الصاوي، أحمد بن محمد، بُلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك على الشرح الصغير للدردير، ج٢، ص٢٦٦.
(٥) سورة الطلاق، آية رقم ٦.
(٦) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص٢٢١.
(٧) سورة النحل، آية رقم ٩٨.
(٨) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص٢٢٢.
(٩) ابن حزم، المحلّى، ج٥،ص١٨٣،مسألة ١٢٩٠.