للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أضاف العلماء قسماً ثالثاً، وهو ما يشمل حقاً لله تعالى وحقاً للعباد، كحد القذف مثلاً، فيرى الحنفية أن حق الله تعالى وحق العبد إذا اجتمعا في شيء، ونفذ أحدهما سقط الآخر، وقالوا: لا يُجمع قطع وتغريم في السرقة (١)، بينما يرى غيرهم أنه لا تنافي بين الحقين (٢)، وإنما يُعرف الفرق بين هذه الحقوق بصحة إسقاط الحق، فما كان لله تعالى فلا يجوز إسقاطه، وكل ما جاز إسقاطه فهو حق للعبد. وقد نسب الدكتور الدريني (٣) - رحمه الله- لعلماء الأصول تعريفاً للحق بقوله:" الحق الموجود والمراد به هنا حكم يثبت" وعلّق على هذا التعريف بأمرين هما:

الأول: أنه بُني عن منشأ الحق ومصدره؛ لأن الحق لا يُعدُّ حقاً في نظر الشرع الإسلامي إلا إذا جاء من النصوص الشرعية ما يقرره، وتقرير الحق لا يكون إلا بحكم شرعي.

الثاني: أن الحكم إن أُريد به خطاب الله المتعلق بأفعال المكلّفين فالحق ليس هو الخطاب نفسه، وإنما هو الأثر المترتب والثابت بالخطاب، فعلاقة الحق بالحكم هي علاقة المسبّب بالسبب، واستخلص الدكتور الدريني- رحمه الله - أن هذا تعريف بالأعم؛ لأن كل حق حكم، وليس كل حكم حقاً، (٤) هذا وقد اجتهد فقهاء العصر في تحديد معنى الحق وانقسموا في ذلك إلى قسمين:

القسم الأول: وهؤلاء عرّفوه بحسب الغاية منه فقالوا:" هو مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معاً يقررها الشارع الحكيم" (٥)، ولكن يؤخذ على هذا التعريف أن الحق ليس مصلحة للفرد أو المجتمع، وإنما هو وسيلة يمكن أن يسلكها المكلف للوصول إلى المصلحة.


(١) ابن عابدين، محمد أمين، ردّ المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ج٦، ص١٧٩، ط١، ١٩٩٤م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية شرح بداية المبتدي، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، ج٢، ص٨٠١، ط١، ٢٠٠٠م، دار السلام، القاهرة، مصر.
(٢) يرى الشاطبي- رحمه الله- أن حق الله تعالى وحق العباد ثابتان في كل حكم. الشاطبي، إبراهيم ابن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، ج٢، ص٣١٥، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، بدون رقم طبعة، دار الحديث، القاهرة، مصر.
(٣) محمد فتحي الدريني (فلسطيني الأصل) , لقّب بشاطبي العصر، لإحيائه الاجتهاد المقاصدي. له من المؤهلات العلمية دكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله، كلية القانون والشريعة في الأزهر، درّس لعقود طويلة في مصر والجزائر ودمشق لمدة طويلة ثم كان آخر مستقره في الجامعة الأردنية، توفي عام ٢٠٠٨م. http://www.ahlalhdeeth.com
(٤) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص ١٨٨.
(٥) المصدر نفسه، ص١٨٩.