للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة القانونية من هذا الحق نجدها العدالة التي تقتضي التخفيف من وطأة ترك العامل لعمله الذي أمضى سنوات في خدمة صاحب العمل.

ولبحث التكييف الفقهي لهذه المكافأة يتبادر لنا مجموعة من الاحتمالات، وهل يمكن اعتبارها دَيناً للموظف في ذمة صاحب العمل؟ أم هي استحقاق معلّق بشيء في المستقبل؟ وهذه الاحتمالات هي على النحو الآتي:

الاحتمال الأول: أن تكون هذه المكافأة جزءاً من أجرة العامل، وإذا كانت كذلك فإنها تكون دَيناً للعامل على صاحب العمل، ولكن اعتبارها كذلك يتعارض مع أحكام الأجرة في الفقه الإسلامي، فتجعل العقد فاسداً، وذلك لأن مقدار المكافأة لا يمكن حسابه إلا عند انتهاء العقد، لخضوعه لعدة عوامل كالمدة التي يقضيها العامل في العمل، والأجرة الشهرية الأخيرة، والسبب الذي كان وراء إنهاء عقد العمل، ما يعني أن هذه العوامل السابقة تُدخل الجهالة على أهم جزء من أجزاء الإجارة وهو عنصر الأجرة فيجعلها مجهولة.

ثم إن اعتبار المكافأة من الأجرة يعلّق استحقاق هذا الجزء من الأجرة على حدوث أمور مستقبلية، وهي قد تقع وقد لا تقع، وهذا نوع من أنواع الغرر الذي يؤثر في جميع عقود المعاوضات، والتي تعتبر الإجارة واحدة منها، لذا ما كان تمليكاً محضاً لا يدخل عليه التعليق قطعياً، كما يؤخذ على هذا الاحتمال أن العامل بتسليم نفسه لصاحب العمل استحق هذا الجزء، وبالتالي لا يجوز أن يخرج من ملكه إلا بموافقته أو بوفاته، فتنتقل هذه الحقوق إلى الورثة فيتم تقسيمها بينهم حسب القواعد الشرعية المتعلقة بالميراث، فلا يجوز أن يُحرم منها العامل أثناء حياته، وينتفع بها الورثة بعد الوفاة، وهذا الحرمان في الوقت الذي ينصّ القانون على حرمان العامل من هذه المكافأة كأن يُقدم العامل على عملٍ يودي بحياته، أو يتعمد إلحاق أضرار جسيمة بصاحب العمل، لذا فإن كل هذه المناقشات تُخرج مكافأة نهاية الخدمة من دائرة الأجر -والله تعالى أعلم بالصواب -، وبناءً على هذا الاحتمال الذي هو اعتبار المكافأة من الأجرة المتأخرة للعامل فإنها لا تخلو من أحد أمرين:

الأول: أن يشترطها العامل في العقد، وهذا شرط جائز، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" المسلمون على شروطهم" (١).

الثاني: أن لا يشترطه العامل لنفسه، ولم يذكره رب العمل في عقد العمل، وهذه الحالة لا تخلو من أمرين أيضاً:


(١) سبق تخريجه ص ٤٧.