والمراد بالاختصاص: علاقة تشمل الحق الذي موضوعه مالي، كاستحقاق الدَّين في الذمة بأي سبب كان، والذي موضوعه ممارسة سلطة شخصية، كممارسة الولي ولايته، والوكيل وكالته.
وهذه العلاقة لكي تكون حقاً يجب أن تختص بشخص معيّن أو بفئة، إذ لا معنى للحق إلا عندما يتصور فيه ميزة ممنوحة لصاحبه، وممنوعة عن غيره، أما ما كان من قبيل الإباحات العامة، كالاصطياد، والاحتطاب فلا تعدُّ حقاً بالمعنى المراد هنا؛ إذ لا يوجد شخص مطالب بأداء هذا الحق لصاحبه، ثم إن هذا الاختصاص لا يكون معتبَراً ما لم يعتبره الشرع، ولذا اشتُرط إقرار الشرع له، إذ لا حق إلا ما اعتبره الشرع حقاً.
والمراد بالسلطة: ما يشمل سلطة شخص على شخص، كحق الولاية على النفس فهي للولي على القاصر؛ إذ له حق تأديبه وتطبيبه، والسلطة على شيء معين كحق الملكية، فهي سلطة على ذات الشيء.
والمراد بالتكليف: تكليف الغير بأداء ما في عهدته لصاحب الحق، كقيام الأجير بعمله، وقيام المدين بأداء دينه.
وما ذكره فضيلة الشيخ الزرقا- رحمه الله- في تعريفه وجيه وجامع، غير أن الفقهاء المتقدمين - رحمهم الله - لم يلتزموا في تعاريفهم ما التزمه المناطقة والأصوليون ومتأخرو الفقهاء بأن التعريف لا بد وأن يكون جامعاً مانعاً؛ لأن أكثر تعاريفهم إنما هو تعريف شمولي في الجملة، وهو ما يعرف عند المناطقة بالتعريف بالرسم، ولهذا نجد أن الفقهاء - رحمهم الله - يستعملون الحق بمعانٍ عدّة، وفي مواضع مختلفة، وكلها ترجع إلى المعاني اللغوية للحق (١)، والعلاقة بين الحق والواجب: أن الحق هو ما يستحقه صاحبه، بحيث يخوله سلطة على الآخرين، وبذلك تنشغل ذمم هؤلاء الآخرين بما يجب أن يؤدوه نحو صاحب الحق، وقد اجتهد فقهاء القانون في تعريف الحق وبيان وجهات نظرهم في مفهومه، وقد تبين لنا من خلال الاستقراء أن مذاهبهم تنحصر في أربعة مذاهب: