للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الضابط الذي ينبغي مراعاته عند توظيف العمل يُمكن التأكد من تحققه في العامل المتقدم للوظيفة من خلال السؤال عنه قبل التعاقد معه، ولا بدّ من اختيار الرجل الأمين للسؤال عن العامل، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الضابط في قوله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (١) ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن ابنة شعيب عليه السلام قد علمت من خلال تربية والدها لها أن العامل لا بدّ من توافر عنصر الأمانة عنده، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد ناسخ، ولم يرد ناسخ من شرعنا، بل جاء في الأخبار ما يؤكد ضرورة الالتزام بخُلُق الأمانة، ومنها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" (٢)، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري (٣) - رضي الله عنهم - حينما طلب الولاية:" إنك ضعيف، وإنها أمانة وهي يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه منها" (٤)

٣. الكفاءة: وتعني القدرة على القيام بالعمل المُناط به على أكمل وجه، وهذا الضابط يمكن التحقق منه بوساطة الاختبار الكتابي للأعمال التي تتطلب البراعة في الكتابة والقراءة والحساب، أما إذا كان العمل من الأعمال الخدماتية فيمكن التحقق من ضابط الكفاءة من خلال معرفة خبرته في هذا العمل، وسيرته بين أبناء مهنته، أو من سبق لهذا العامل أن عمل عنده.

وهذا الضابط له من القرآن الكريم ما يعضده، وذلك في قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، حينما طلب ولاية الأرزاق من عزيز مصر فقال الله - سبحانه وتعالى - على لسانه: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (٥)، وقد أظهر يوسف عليه الصلاة والسلام تمكنه من العمل الذي طلبه، وأبرز مؤهلاته، وهي الحفظ والعلم، وهنا يأتي اعتبار معيار الشهادة عند التوظيف، وكم سمعنا عمن هو مسؤول عن كثير من الموظفين الذين يفوقونه في تخصصه، بل وأكثر منه اتقاناً للعمل الذي يقوم به_ وللأسف الشديد-.


(١) سورة القصص، آية رقم ٢٦.
(٢) رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب الرجل يأخذ حقه من تحت يده، وقال عنه الألباني: حديث صحيح، برقم ٣٥٣٥. وروا الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب رقم ٣٨، وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(٣) جندب بن جنادة، وقيل أن اسمه بربر، كان من السابقين للإسلام، قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر"، توفي في الربذة سنة ٣١هـ، وصلّى عليه عبد الله بن مسعود، ومات ابن مسعود بعده بقليل. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج٤، ص٨٤.
(٤) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمامة بغير ضرورة، ص ٧٩٤، برقم الحديث (١٨٢٥).
(٥) سورة يوسف، آية رقم ٥٥.