للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنتاجه، ثم يُعطي العامل أجرته، مع ضرورة تحكيم الضمير والوازع الديني، واستشعار مراقبة الله، بغضّ النظر عن حضور ومراقبة صاحب العمل للعامل (١).

وانطلاقاً من مبدأ احترام الشروط والاتفاقيات بين المسلمين وحتى بين غير المسلمين فقد قررت الشريعة الإسلامية قاعدة" لا ضرر ولا ضرار" ومن ثمّ لا يجوز إلحاق الضرر بأي طرف من أطراف عقد العمل سواء أكان بالتقصير في أداء العمل المُتفق عليه، أم بأي وسيلة أخرى، فإذا ما لحقت بصاحب العمل عوامل أدت به على الخسارة وإغلاق منشأته، يقوم بضمان ما يلحق بصاحب العمل خسارة، وذلك قياساً على عقد المضاربة التي يضمن العامل الخسارة إذا كانت بتقصير منه، حيث جاء في المغني: "أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم أن القول قول العامل في قدر رأس المال (٢) " ويؤيد ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (٣)، وبالنسبة للتقصير في العمل فإنه لا يتعدّ حالتين هما:

أولاً: أن يكون التقصير عن قصد وعمد، وهذا لا تهاون فيه ولا بدّ أن يلقى العامل جزاءه بقدر ما أحدث من ضرر، ومستندنا في ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (٤)، ولأن الإنسان يُسأل ويُعاقب على تصرفاته، وكذلك فإن هذا العامل قد خان الأمانة، ففي هذه الحالة يجوز لصاحب العمل أن يخصم من راتب العامل مقدار ما أفسد، وقد يلجأ صاحب العمل لفصله نظراً للأضرار التي لحقت بمنشأته.

ثانياً: أن يكون التقصير نتيجة ظروف خارجة عن إرادة وقصد العامل، فإنه معذور ما دام لم يُهمل في الأخذ بالأسباب، كأن يبذل وسعه في تنظيف آلة ما ثم تبيّن فيما بعد أنها كانت بحاجة إلى تنظيف بطريقة مغايرة لتلك التي استخدمها العامل، ولم أعثر -بعد طول بحث - على أقوال للفقهاء القدامى في المسألة إلا ما وجدته في المبسوط، حيث جاء فيه:" تلميذ القصار أو أجيره الخاص إذا أدخل ناراً للسراج بأمر الأستاذ فوقعت الشرارة على ثوب من ثياب القصارة أو أصابها دهن السراج لا يضمن الأجير ويكون الضمان على الأستاذ (أي صاحب العمل)، ولو انقلبت المدقة من يد أجير القصّار أو


(١) الطويل، محمد محمد، العمال في رعاية الإسلام، ص ١٧، ط١، ١٩٩٨م، مكتبة ومطبعة الغد، الجيزة، مصر.
(٢) ابن قدامة، المغني، ج٥، ص٣٨.
(٣) سورة البقرة، آية رقم ٢٨٦.
(٤) سورة النحل، آية رقم ٩٣.