للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل الاستغفار وبيان أفضله]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد: هذا الشهر الكريم ليس شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والدعاء فحسب، ولكنه كذلك شهر طلب المغفرة من الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له)، فقد كثرت في هذا الشهر الكريم أسباب المغفرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، والمغفرة: هي ستر الذنوب مع محو عقوبتها.

أي: أن الله عز وجل يستر على العبد فلا يفضحه في الدنيا، ولا في عرصات القيامة، ويمحو عنه عقوبة هذه الذنوب.

وقد أكثر الله عز وجل من ذكر الاستغفار في كتابه، فتارة يمدح أهله، كما قال في وصف المحسنين: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:١٧]، وتارة يأمر به: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٩٩]، وتارة يخبر الله عز وجل أنه يغفر لمن استغفره، فقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:١١٠].

وحكم الاستغفار كحكم الدعاء، فهو سبب مقتضٍ للإجابة إذا توفرت الشرائط وانتفت الموانع، فكذلك الله عز وجل يغفر لمن استغفره إذا توفرت شرائط المغفرة وانتفت الموانع.

أفضل الاستغفار ما بدئ بحمد الله عز وجل وتمجيده، واعتراف العبد بذنوبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

فهذا كان سيد الاستغفار؛ لأنه يشتمل على الاعتراف بنعم الله عز وجل على العبد، وكذلك اعتراف العبد بذنوبه: (أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي)، أي: واعترف بذنبي.

وكما يقولون: العارف يسير إلى الله عز وجل بين مشاهدة المنة، ومطاوعة عيب النفس والعمل؛ فينظر بإحدى عينيه إلى نعم الله عز وجل عليه، وهذا يورثه كمال الحب لله عز وجل، وينظر بالعين الأخرى إلى عيوب نفسه وسيئات عمله فيورثه ذلك كمال الذل لله عز وجل، وهما شقا العبادة.

وقالوا: العارف يخرج من الدنيا وما قضى وطره من شيئين: ثناؤه على ربه عز وجل، وبكاؤه على نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>