أما غاية التزكية عند أهل السنة: فهي تحقيق كمال العبودية لله عز وجل، والوصول إلى أعلى مراتب الذل والحب لله عز وجل؛ لأن العبودية هي كمال الحب مع تمام الذل، والله عز وجل وصف أكابر الخلق بالعبودية، فوصف نبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته، مقام الإسراء، ومقام التحدي، ومقام الدعوة إلى الله عز وجل، فقال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}[الإسراء:١].
وقال:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣]، ولذلك لما ذكر الإمام الطحاوي رحمه الله تشريفات النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ بالتشريف الأول وهو العبودية، قال: وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء، فقبل أن يذكر بأنه إمام الأنبياء وسيد المرسلين ذكر أنه عبد الله عز وجل المصطفى.
فالعبودية لله عز وجل تشريف وتكريم، كما قال عياض: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا فالذي يتكبر عن العبودية لله عز وجل لا بد أن يقع في عبودية غير الله عز وجل من المخلوقات الخسيسة، فيعبد الشجر أو الحجر أو الشمس أو القمر أو البقر، بل من الناس من وقع في عبادة الشيطان الرجيم.
فكل من يتكبر عن العبودية لله عز وجل لا بد أن يقع في العبودية لغير الله، ومهما تحرر العبد من العبادة لغير الله تكمل عبوديته لله عز وجل، ولذلك فإن وظيفة الرسل وأتباع الرسل تعبيد الناس لله عز وجل، وتحرير الناس من العبادة الباطلة للآلهة الباطلة التي لا تستحق العبادة، وجعلهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل، كما قال ربعي بن عامر: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فوظيفة الرسل وأتباع الرسل أن يحرروا الناس من عبادة غير الله ويعبدوهم لله عز وجل، ويشرفوهم بأن يجعلوهم عبيداً حقيقيين لله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يشرفنا بالعبودية له عز وجل، وأن يرفعنا بالقيام والصيام.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.