للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الأمراض وعلاج القرآن لها]

والقلوب تصاب بنوعين من الأمراض: أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.

الأول: أمراض الشبهات كما قال الله عز وجل: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة:١٠].

قال مجاهد وغيره: شك، فالمرض هنا: هو الشك، أي: عندهم شك في صدق القرآن وفي وعد الله عز وجل، وفي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والنوع الثاني من الأمراض: أمراض الشهوات، كما قال الله عز وجل آمراً أمهات المؤمنين وبالأولى نساء الأمة: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢].

فالمرض هنا هو مرض الشهوة؛ لأن المريض يضره ما لا يضر السليم، والسليم يدفع بصحته وسلامته أضعاف ما يمكن أن يتحمله المريض.

فالقرآن يعالج أمراض الشبهات ويعالج أمراض الشهوات يعالج أمراض الشبهات بما فيه من أدلة قطعية وبراهين ساطعة، كما قال الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩]، قيل: نزلت هذه الآية في أحد الكفار، أتى بعظمة بالية ففركها ونفخها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أويحيي هذا الله بعد أن رم؟ قال: نعم، ويدخلك النار).

أي: بعد أن صار رميماً وتراباً قال: (نعم ويدخلك النار).

ونزلت هذه الآية الكريمة: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:٧٨]، أي: نسي هذا الكافر الجاحد أن الله عز وجل خلق الإنسان ولم يكن قبل ذلك شيئاً مذكوراً، فالذي يأتي إلى عمارة أو إلى منزل ويقول: لو سقط هذا المنزل لا يستطيع أحد أن يقيمه مرة ثانية، لاتهمه الناس بالخبل؛ لأن الذي أقامه في المرة الأولى قادر ولا شك على إقامته في المرة الثانية، وهو أهون عليه، أي: أسهل عليه، وكل شيء هين على الله عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨].

فإماتة الخلق جميعاً وإحياء الخلق جميعاً سهل وهين على الله عز وجل، كإماتة نفس وإحياء نفس، فكل شيء هين على الله عز وجل.

فعندما يسمع الإنسان هذه الآية الكريمة فإن أي شك في نفسه من البعث لا بد وأن يذهب، ولا بد أن يطمئن إلى صدق الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩].

أما علاج القرآن لأمراض الشهوات فيكون بالتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، فعندما نقرأ القرآن لا نجده يحدثنا عن المشاكل الحياتية اليومية التي نعيشها، بل يأتي على الدنيا فينسفها نسفاً: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد:٢٠]، فالقرآن يأتي على الدنيا فينسفها نسفاً ويصور لنا الآخرة أنها هي الحياة الباقية: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤].

فعندما يسمع المسلم القرآن أو يقرأ القرآن لا بد أنه يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير.

فبذلك يعالج القرآن أمراض الشبهات وأمراض الشهوات؛ ولذلك عندما نستمع للقرآن نجد راحة في قلوبنا، ونجد اطمئناناً في نفوسنا؛ لأن القرآن يزيل الشبهات والشهوات من القلوب، وعندما تستريح القلوب من الشبهات والشهوات لا بد أن تطمئن، وأن تسعد وتفرح بالله عز وجل.

قال الله عز وجل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:٢١].

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر الكريم لتلاوة القرآن وتدبره، والاتعاظ بمواعظه، والقيام به بالليل، والعمل به بالنهار.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>