الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة! يا من دامت خسارته! قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
عباد الله! هبّت اليوم على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب، وسعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح، ووصلت البشارة للمذنبين بالعفو، وللمنقطعين بالوصل، وللمستوجبين النار بالعتق.
لما سلسل الشيطان في شهر رمضان وخمدت نيران الشهوات بالصيام انعزل سلطان الهوى، وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر.
يا غيوم الغفلة! عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان! اطلعي، يا صحائف أعمال الصائمين! ارتفعي، يا عيون المتهجدين! لا تهجعي، يا أقدام المتهجدين! اسجدي لربك واركعي، يا ذنوب التائبين! لا ترجعي، يا أرض الهوى! ابلعي ماءك، ويا سماء النفوس أقلعي، يا همم العارفين! ارتعي، يا قلوب المحبين! بغير الله لا تقنعي.
قد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوّام، فما منكم أحد إلا وقد دعي، {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}[الأحقاف:٣١]، فطوبى لمن أجاب فأصاب، وويل لمن صُد عن الباب وما دُعي.