للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أن الآية نزلت فيمن يناقش الحساب يوم القيامة]

وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] في أناس شاء الله عز وجل أن يناقشوا الحساب.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب).

وفي رواية: (من نوقش الحساب هلك فقالت عائشة رضي الله عنها: ألم يقل الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٧ - ٨]؟ قال: إنما ذلك العرض)؛ أي: أن الحساب اليسير هو أن يعرض العبد على ربه عز وجل، ولكن لو نوقش العبد في أعماله وفي أقواله وفي أحواله فلا بد أن يهلك فلو حاسبنا الله عز وجل على نعمه علينا لم تف جميع أعمالنا الصالحة بأدنى شكر لنعم الله عز وجل علينا، فحق الله عز وجل أعظم من أن يقوم به العباد، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين.

فمن نوقش الحساب عذب؛ لأن الله عز وجل إذا أراد نجاة عبد فإنه لا يسأله عن شكر نعمه عليه، ويتجاوز عن سيئاته ويدخله بحسناته الجنة وإن كانت قليلة، وإذا شاء الله عز وجل أن يهلك العبد ناقشه الله عز وجل وطالبه بشكر نعمه، فلا تفي جميع أعماله الصالحة في أدنى شكر لنعم الله عز وجل عليه، فتبقى بقية النعم بلا وفاء بالإضافة إلى الذنوب وإلى المغارم، فيهلك العبد بسبب ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خير لهم من أعمالهم).

فقيل في تفسير هذا الحديث الذي رواه أبو داود بسند حسن: لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه لكان متصرفاً بذلك في ملكه والمتصرف في ملكه غير ظالم.

وقيل: لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم ببعض حقه عليهم؛ ولأنهم لم يقوموا بشكر نعم الله عز وجل عليهم، فلو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم.

فقيل: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧]، في أناس شاء الله عز وجل أن يناقشوا الحساب، ومن نوقش الحساب عذب أو هلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>